صوم مريض القلب والصدر بين الحظر والإباحة |
بسم الله الرحمن الرحيم صوم المريض من المسائل الدقيقة التي تختلف من مريض لمريض وتحتاج إلى تقيم جيد بمشورة المتخصصين وفقا للقاعدة الإسلامية السامية {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} فقد يتضرر البعض في رمضان بسبب اللبس في تقدير القدرة على الصيام لمن كان له رخصة بسبب المرض كمرضى القلب والصدر أو غيرهم ممن رخص الله لهم في الفطر، كما أن البعض قد يتضرر لا بسبب الصيام ولكن بسبب العادات الغذائية الخاطئة. وقد يستفيد المصابون بالأمراض المزمنة أكثر من غيرهم من فوائد الصيام الجسيمة، ولكنهم في الجانب الآخر قد يتضررون بسبب عدم تقديرهم لكمية ونوعية الطعام التي يحتاجونها، أو بسبب تفريطهم في زيارة الأطباء قبل شهر رمضان من أجل تقييم حالتهم الصحية وجدولة توقيت وكميات الأدوية التي يتناولونها. الصيام وأمراض القلب الإفراط في الأكل الغني بالدهون يؤدي إلى ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم، الذي يترسب بدوره على جدران الشرايين وخاصة الشرايين التاجية التي تغذي عضلة القلب، مما يسبب ضيقاً داخل هذه الشرايين وتغير تكوينها من أوعية دموية مرنة إلى أنابيب صلبة فيما يعرف بـ "تصلب الشرايين"، وقد يحصل انسداد شرياني نتيجة ترسبات الكولسترول ويمنع وصول الدم إلى عضلة القلب، ولذلك كان الصوم من أفضل السبل للحفاظ على حيوية القلب والوقاية من أمراضه الشائعة بسبب العادات الغذائية الخاطئة. فضلا على أن الصوم يعطي راحة للقلب المتعب والضعيف وعدم تحميله زيادة عن طاقته، بالإضافة إلى أن المعدة المملوءة بالطعام تدفع الحجاب الحاجز إلى أعلى، فيضيق التجويف الصدري مما يقلل من أداء القلب والرئة، وهذا بالطبع يتلاشى مع الصوم. وبناء على هذا ينصح مريض القلب بعدم الإفراط في الأكل، فمن المعروف طبياً أن كثيراً من النوبات القلبية المفاجئة تحصل أثناء أو بعد الانتهاء من وجبة طعام كبيرة، وخاصة إذا كانت دسمة، كما ينصح البدناء والبدينات منهم بالإقلال من الوزن، ولعل الشهر الكريم يكون فرصة لبداية نظام غذائي جيد، وبالتالي بناء جسم قوي غير مترهل وغير مثقل بالشحوم، كما ينصح مرضى القلب بالمتابعة الدقيقة في أخذ العلاج، وعدم الانقطاع عنه خلال شهر الصوم، وعلى وجه العموم يمكن لمريض القلب أن يصوم، ولكن يجب تحديد كل مرض على حده، كذلك ما ينطبق على مريض قد لا ينطبق على الآخر حتى لو تشابه المرض، فمثلاً جميع أمراض القلب الحادة، وخاصة في بدايتها لا ينصح المريض بالصوم حتى تستقر حالته الصحية. ومريض (الذبحة الصدرية) المستقر الحالة يستطيع الصوم مع ترتيب العلاج ليكون في وقت الإفطار والسحور، وهذا يقرره طبيب مسلم متخصص في مجاله. أما مريض (الجلطة القلبية) فإن كانت الحالة حادة فلا يستطيع الصوم ؛ لأنه غالباً يكون تحت العناية المركزة، ويحتاج إلى أدوية ومغذيات كثيرة في أوقات متقاربة، أما بعد استقرار الحالة فينطبق عليه ما ينطبق على غيره، فإذا كانت الأدوية التي يأخذها المريض تؤخذ مرة في اليوم أو مرتين على أوقات متفاوتة وطويلة فيمكن صيامه. أما بالنسبة (لارتفع ضغط الدم) فمن أشهر أسبابه: السمنة، تصلب الشرايين، بعض أمراض الكلى، أمراض الغدة الجاركلوية. وعلاج ارتفاع الضغط يكون في البداية عن طريق تنظيم الوجبات كما ونوعا لتلافي حدوث السمنة، كما يوصي بالإقلال من الملح؛ لأنه يزيد تجمع السوائل في الأوعية الدموية، وبالتالي ارتفاع الضغط، ويتضح مما سبق أن الصوم عامل رئيسي لعلاج أو على الأقل تحسين ارتفاع الضغط، خاصة إذا ما التزم المريض بتعاليم الصيام الصحيحة، وابتعد عن الإكثار من الأكل عند الإفطار وعند السحور، ففي هذه الحالة سوف ينقص وزنه وتتحسن حالته الصحية تبعاً لذلك، أيضاً الصوم عن السوائل خلال النهار بلا شك سوف يقلل من كمية سائل الدم في الأوعية الدموية، وبالتالي يخفض الضغط تبعاً لذلك. الصيام ومريض الصدر بعض أمراض الصدر من الأمراض المزمنة التي تستمر لسنوات عديدة وتحتاج للعلاج المنتظم والمتابعة المستمرة، ومن البديهي أن يواجه مريض الصدر بعض الإشكالات في شهر رمضان المبارك أثناء الصوم مع تغير نظام الوجبات واختلاف أوقات تناول الأدوية. وعلى الجانب الآخر تستفيد الرئتان كثيرا من تأثيرات الصيام الايجابية وآثاره المفيدة على الجسم عامة. ففي سنغافورة أجريت دراسة علمية عن أثر الصيام على وظائف الرئة الحيوية ولم يلاحظ الباحثون آثارا سلبية على وظائف الرئة أثناء الصيام، كما أجريت دراسة مماثلة في جامعة الملك خالد بأبها بالسعودية على الصائمين ولوحظ تحسن السعة الحيوية للرئتين أثناء الصيام، ويعتقد أن سبب هذا التحسن هو نتيجة خلو المعدة من الطعام مما أعطى الحجاب الحاجز فرصة التحرك بحرية أكثر وزيادة السعة الحيوية للرئتين. ويتعرض الصائم أحياناً إلى الصيام لساعات طويلة إذا كان شهر رمضان متوافقاً مع فصل الصيف وشدة الحرارة وقد يؤدي هذا الانقطاع الطويل عن تناول السوائل إلى حدوث جفاف بالجسم يمتد أثره إلى الرئتين، حيث تزداد لزوجة البلغم وكثافته، وربما عدم إمكانية إخراجه بالسعال أو بالتمارين الصدرية، وعندما يعاني مريض الرئة من زيادة لزوجة البلغم أثناء الصيام فإنه يجب مكافحة ذلك بتناول كمية كبيرة من السوائل أثناء الليل, وإذا تكررت هذه المعاناة ولم يتمكن من السيطرة عليها فإنه يجب استشارة الطبيب الذي قد ينصحه بعدم الصيام في ذلك الشهر، وقضاء تلك الأيام في أشهر الشتاء حيث يقصر النهار وتنعدم الحاجة الشديدة لتناول السوائل الكثيرة. إما إذا كان المريض مصاب بالسل مع ضعف البنية ولا يقوى على صيام رمضان ولا يرجى برؤه سقط عنه الصيام ووجب عليه أن يطعم عن كل يوم أفطره مسكيناً يعطيه نصف صاع من بر أو أرز أو تمر ونحو ذلك. ومع تقدم الطب واستحداث أدوية فعاله للسل فإن نسبة كبيرة من مرضى السل يمكن شفاؤهم بإذن الله، وفي هذه الحالة يمكن لمريض السل متى من الله عليه بالشفاء أن يقضي الأيام التي أفطرها. وبالنسبة لدواء الربو الذي يستعمله المريض استنشاقاً ويصل إلى الرئتين عن طريق القصبة الهوائية لتوسيع الرئتين فليس أكلاً ولا شراباً ولا شبيها بهما وهو شبيه بالكحل. وقد أفتى جمهور أهل العلم بعدم الفطر باستعمال هذا الدواء استنشاقاً, ومؤخراً لوحظ في دراسة علمية في بريطانيا خطورة إيقاف أدوية الربو أثناء الصيام لجهل بعض المرضى بجواز استعمالها أثناء الصيام حيث يؤدي هذا الإيقاف إلى استفحال أزمات الربو، وقد تصل إلى مرحلة خطرة تؤثر على الحياة، أما البخاخات الواقية فهذه مضادة للتهيج ولا توسع الرئتين فلا يحتاجها الصائم كدواء إسعافي، ويمكن تأجيل تناولها إلى ما بعد الإفطار وقد يحتاج مريض الربو إلى تناول أدوية الربو عن طريق استعمال جهاز التبخير للسيطرة على أزمات الربو، وعادة ما يكون الدواء محلولاً في ملح الصوديوم وتتطاير مكونات المحلول عبر الضغط بجهاز التبخير إلى الأنف والفم، فإذا وصلت حالة الربو من الشدة إلى الحاجة لاستعمال جهاز البخار فالأولى أن يفطر مريض الربو في هذه الحالة، ويقضي الأيام التي يفطرها في وقت آخر بعد شفائه. وقد يحتاج مريض الربو أحياناً إلى تناول مضادات حيوية لمكافحة الالتهابات المتكررة في الصدر، وفي هذه الحالة يفضل تناول المضادات الحيوية ذات المفعول طويل الأجل، والتي تؤخذ مرة واحدة في اليوم أو مرتين باليوم عند الإفطار وقبل الإمساك مثلاً، ولا يتعارض هذا التوقيت مع الصيام. وقد يعاني مرضى الجهاز التنفسي من مشاكل في الجيوب الأنفية بشكل متكرر وبعض القطرات تكون ضرورية لإزالة الاحتقان أو التقليل من التهيج وتخفيف الإفرازات، وينصح في هذه الحالة باستعمال قطرات الأنف ذات المفعول طويل الأجل والتي تستخدم مرة واحدة في اليوم أو مرتين في اليوم. وهناك فئة من مرضى الصدر يحتاجون إلى استعمال الأوكسجين بشكل متواصل لمدة أربع وعشرين ساعة يومياً، وحيث أن الأوكسجين ليس أكلاً ولا شراباً فيمكن استعماله أثناء الصيام دون أدني حرج. أخيرا نجد بعض مرضى الصدر يحتاجون أقراص أو شراب الثيوفيللين، وقد أثبتت الدراسات أن هذا الدواء ليس له آثارا جانبية أثناء الصيام ويمكن استعماله قبل الإمساك أو بعد الإفطار. أما المستحضرات المختلفة لطرد البلغم فليس لها آثارا جانبية مع الصيام أيضا ويمكن تناولها بعد الإفطار أو بعد السحور، ولكن بعضها قد يؤدي إلى تقرحات في المعدة لذلك يجب تناولها بعد الأكل. المصادر • الصوم وأمراض القلب د.عبد الرحمن الجمعة • صحة الصائم د. سعيد الصالح • الصيام وأمراض الرئة د. عبد الله الشميمري |
0 comments:
إرسال تعليق