ارجوا اخذ نسخة احتياطية من القالب ندخل في الموضوع بدون إطالة تفضلو ا الكود رمز Code:
‏إظهار الرسائل ذات التسميات * رمضان *. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات * رمضان *. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

الدليل الطبي للمريض في شهر الصيام



الدليل الطبي للمريض في شهر الصيام


مع إطلالة كل رمضان يتساءل كثير من المرضى فيما إذا كانوا يستطيعون الصوم أم لا، وفيما إذا كان صيام رمضان يزيد من مرضهم سوءاً، أو يفاقم من أعراضهم أم لا. 


أسئلة كثيرة تتردد على بال المرضى وأقربائهم، والبعض يقع فريسة الأوها، أو يفتيه جاهل بالطب فيصوم أو يفطر، دون الرجوع إلى طبيب أخصائي مسلم يقوّم حالته، ويعطيه النصيحة والإرشاد. 

وكثير من المرضى من يريد الصيام، وهو لا يقوى عليه، أو قد يكون في صيامه عبء على مرضه، أو تفاقم في أعراضه، وكثيراً ما كانت الآراء الطبية مبنية على خبرات ذاتية، أو على ما نشر في مقالات متفرقة هنا وهناك، وللأسف الشديد فليس هناك في كلية الطب – على حد علمي – مادة اسمها (الصيام وتأثيراته على الأمراض المختلفة)، كما أنه ليس هناك مرجع طبي يجمع كل الدراسات العلمية المنشورة في المجلات الطبية الأمريكية والأوروبية والعربية والمتعلقة بالصيام، فحتى سنوات قليلة خلت لم تكن هناك سوى دراسات محددة جداً في تلك المجالات. 

وقد سرّني أن أجد عدداً من الدراسات العلمية الحديثة، وقد نشرت حول الصيام في عدد من المجلات الطبية العالمية، فكانت هناك دراسة في مجلة (B. M. J.) البريطانية عن الصيام ومرضى السكري، وأخرى عن تأثير الصيام على الوليد، وثالثه حول تأثير الصيام على مرضى الفشل الكلوي، وهكذا، ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى وضع كتاب شامل لموقف الطب من الصيام في العديد من أمراض القلب والصدر والهضم والكلى... ويشمل كافة الدراسات العلمية الحديثة، ووصايا الخبراء في تلك المجالات. 

ولهذا قمت بتأليف كتابي (الدليل الطبي والفقهي للمريض في شهر الصيام) وهو الآن في طريقه إلى النور (تحت الطبع)، وقد رأيت أن أضع أمامكم ملخصاً لما جاء في ذلك الكتاب، ومن شاء المزيد من التفاصيل رجع إلى ذلك المصدر، وينبغي التنويه إلى أن هذه الإرشادات ما هي إلا وصايا عامة، ولا يمكن أن تنطبق بحال من الأحوال على كل المرضى، ويعود تقويم حالة المريض وإرشاده إلى طبيبه المختص المسلم، فهو أدرى بحاله وأعلم بأمره.

1. مريض الجهاز الهضمي في شهر الصيام: 
يعتبر شهر رمضان بحق، شهر إجازة للجهاز الهضمي، ولكن المؤسف حقاً أن يتخم الكثير منا نفسه عند الإفطار بشتى فنون الطعام والشراب، فيحوِّل سعادة المعدة والأمعاء إلى تخمة وعناء، وسنستعرض أهم أمراض الجهاز الهضمي ذات العلاقة بالصيام. 

أ) قرحة المعدة أو الإثني عشر: 
يشكو المصاب بالقرحة الحادة من آلام في المعدة عند الجوع، أو ألم يوقظه من النوم، ويخف ألم قرحة الإثني عشر بتناول الطعام، ولكن كثيراً ما يعود الألم بعد عدة ساعات. 

وينبغي على مريض القرحة المصاب بإحدى الحالات التالية للإفطار: 

القرحة الحادة: وذلك حين يشكو المريض من أعراض القرحة. كالألم عند الجوع، أو ألم يوقظه من النوم. 
في حال حدوث انتكاسة حادة في القرحة المزمنة: وينطبق في تلك الحالة ما ينطبق على القرحة الحادة. 
وكذلك الأمر عند الذين تستمر عندهم أعراض القرحة رغم تناول العلاج بانتظام. 

عند حدوث مضاعفات القرحة، كالنزيف الهضمي، أو عند عدم التئام القرحة رغم الاستمرار بالعلاج الدوائي. 
ب) عسر الهضم: 
وهي كلمة شائعة تشمل عدداً من الأعراض التي تعقب تناول الطعام، وتشمل الألم البطني وغازات البطن والتجشؤ والغثيان، وحس عدم الارتياح في أعلى البطن، وخاصة عقب تناول وجبة كبيرة، أو بعد تناولها بسرعة، أو بعد تناول طعام غني بالدسم أو البهارات. 

وكثيراً ما تتحسن أعراض هؤلاء المرضى بصيام رمضان، شريطة ألا تكون لديهم قرحة حادة في المعدة أو الأثني عشر، أو التهاب في المريء أو بسبب عضوي آخر، وشريطة تجنب الإفراط في تناول الطعام عند الإفطار والسحور. 

ج) فتق المعدة (أو فتق الحجاب الحاجز): 
يحدث فتق المعدة بشكل خاص عند البدينين، وخاصة عند النساء في أواسط العمر، ومعظم المصابين بفتق المعدة لا يشكو من أية أعراض، ولكن قد يشكو البعض من حرقة وحموضة في المعدة، وخاصة عند امتلائها أو الانحناء إلى الأمام أو الاستلقاء، حيث يعود جزء من محتويات المعدة إلى المريء. 

وينبغي على البدينين أن يسعوا جاهدين لإنقاص وزنهم، فهو خير علاج لحالتهم، وينصح المريض بتناول وجبات صغيرة عند الإفطار والسحور، مع تناول الأدوية بانتظام وتخفيف الدسم، والتوقف عن التدخين، وترك فترة 4 ساعات بين وجبة الطعام والنوم، أما إذا كانت مشقة على المريض، أو ازدادت الأعراض سوءاً بالصيام فينصح المريض بالإفطار. 

د) الإسهال: 
ينصح المريض المصاب بالإسهال بالإفطار، وخاصة إذا كان الإسهال شديداً، فلا يستطيع المريض الصيام، لعدم قدرة الجسم على تعويض ما يفقده من سوائل وأملاح بسبب الإسهال. 

وإذا صام المصاب بالإسهال فقد يصاب بالجفاف وهبوط في ضغط الدم أو يصاب بالفشل الكلوي. 

هـ) أمراض الكبد: 
ينصح المصابون بأمراض الكبد المتقدمة كتشمع الكبد وأورام الكبد بالإفطار، كما ينصح بالإفطار أيضاً المصابون بالتهاب الكبد الفيروسي الحاد، أو الاستسقاء في البطن (الحبن). 

و) عمليات قطع المعدة: 
هناك بعض المرضى الذين أجريت لهم عملية قطع أو استئصال جزء من المعدة بسبب قرحة في المعدة مثلاً، وهؤلاء المرضى يحتاجون إلى تناول وجبات صغيرة من الطعام وبطريقة منتظمة، وقد لا يستطيعون الصيام. 

2. مريض القلب في شهر الصيام: 
لا شك أن في الصيام فائدة عظيمة لكثير من مرضى القلب، ولكن هناك حالات معينة قد لا تستطيع الصيام. 

أ) ارتفاع ضغط الدم: 
يفيد الصيام في علاج ارتفاع ضغط الدم، فإنقاص الوزن الذي يرافق الصيام يخفض ضغط الدم بصورة ملحوظة، كما أن الرياضة البدنية من صلاة تراويح وتهجد وغيرها تفيد في خفض ضغط الدم المرتفع. 

وإذا كان ضغط الدم مسيطراً عليه بالدواء أمكن للمريض الصيام شريطة أن يتناول أدويته بانتظام، فهناك حالياً أدوية لارتفاع ضغط الدم تعطى مرة واحدة أو اثنتان في اليوم. 

ب) فشل القلب (قصور القلب): 
فشل القلب نوعان: فشل القلب الأيسر وفشل القلب الأيمن، ويشكو المريض عادة من ضيق النفس عند القيام بالجهد، وقد يحدث ضيق النفس أثناء الراحة، وينصح المصاب بفشل القلب الحاد بعدم الصيام، حيث يحتاج لتناول مدرَّات بولية وأدوية أخرى مقوية لعضلة القلب وكثيراً ما يحتاج إلى علاج في المستشفى. 

أما إذا تحسنت حالته واستقر وضعه، وكان لا يتناول سوى جرعات صغيرة من المدرات البولية فقد يمكنه الصيام. 

وينبغي استشارة طبيب القلب المسلم فهو الذي يقرر ما إذا كان المريض قادراً على الصوم أم لا، إذ يعتمد على شدة المرض وكمية المدرات البولية التي يحتاج إليها. 

ج) الذبحة الصدرية: 
تنجم الذبحة الصدرية عادة عن تضييق في الشرايين التاجية المغذّية لعضلة القلب. 

وإذا كانت أعراض المريض مستقرة بتناول العلاج، ولا يشكو المريض من ألم صدري أمكنه الصيام في شهر رمضان، بعد أن يراجع طبيبه للتأكد من إمكانية تغيير مواعيد تعاطي الدواء. 

أما مرضى الذبحة الصدرية غير المستقرة، أو الذين يحتاجون لتناول حبوب النيتروغليسرين تحت اللسان أثناء النهار فلا ينصحون بالصوم، وينبغي عليهم مراجعة الطبيب لتحديد خطة العلاج. 

د) جلطة القلب (احتشاء العضلة القلبية): 
تنجم جلطة القلب عن انسداد في أحد شرايين القلب التاجية، وهذا ما يؤدي إلى أن تموت خلايا المنطقة المصابة من القلب، ولا ينصح مرضى الجلطة الحديثة، وخاصة في الأسابيع الستة الأولى بعد الجلطة بالصيام، أما إذا تماثل المريض للشفاء، وعاد إلى حياته الطبيعية، فيمكنه حينئذ الصيام، شريطة تناوله الأدوية بانتظام. 

هـ) أمراض صمامات (دسامات) القلب: 
تنشأ أمراض صمامات القلب عادة عن إصابة هذه الصمامات بالحمى الرئوية (الحمى الروماتيزمية) في فترة الطفولة، فيحدث تضيق أو قلس (قصور) في الصمام نتيجة حدوث تليف في وريقات الصمام. 

وإذا كانت حالة المريض مستقرة، ولا يشكو من أعراض تذكر أمكنه الصيام، أما إذا كان المريض يشكو من ضيق النفس ويحتاج إلى تناول المدرات البولية فينصح بعدم الصوم. 

و) من هم مرضى القلب الذين ينصحون بعدم الصيام؟
1). المرضى المصابون بفشل القلب (قصور القلب) غير المستقر. 
2). مرضى الذبحة الصدرية غير المستقرة، أو غير المستجيبة للعلاج. 
3). مرضى الجلطة القلبية الحديثة. 
4). حالات التضيق الشديد أو القصور الشديد في صمامات القلب. 
5). الحمى الرئوية (الروماتيزمية) النشطة. 
6). الاضطرابات الخطيرة في نظم القلب. 
7). خلال فترة الأسابيع التي تعقب عمليات جراحة القلب. 

3. مريض الكلى في شهر الصيام: 
تقوم الكليتان بوظائف عديدة منها تنقية الدم من الفضلات الآزوتية، ومراقبة توازن الماء والشوارد في الدم، والحفاظ على توازن قلوي حامضي ثابت في الجسم، وإذا كانت الكليتان سليمتين فالصوم لهما راحة وعافية، أما عندما تصبح الكلى مريضة، فلا تستطيع القيام بالكفاءة المطلوبة لتركيز البول والتخلص من المواد السامة كالبولة الدموية وغيرها. 

ومن هنا يصبح الصيام عبئاً على المريض المصاب بالفشل الكلوي، وخصوصاً في المناطق الحارة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع نسبة البولة الدموية والكرياتنين في الدم، وينبغي على أي مريض مصاب بمرض كلوي استشارة طبيبه قبل البد بالصيام، فإذا لم يتناول مريض الكلى كمية كافية من الماء فقد يصاب بالفشل الكلوي.

أ) الحالات الحادة من أمراض الكلى: 
قد يحتاج المصاب بمرض كلوي حاد دخول المستشفى وتلقِّي العلاج هناك، وفي هذه الحالة ينبغي عدم الصوم.

ومن هذه الحالات التهاب الحويضة والكلية الحاد، والتهاب المثانة الحاد والقولنج الكلوي، والتهاب الكبب والكلية الحاد. 

ب) الحصيات الكلوية: 
إذا لم يكن لدى المرء حصيات كلوية من قبل فلا داعي للقلق في شهر رمضان، أما الذين لديهم حصيات كلوية، أو قصة تكرر حدوث حصيات في الكلى، فقد تزداد حالتهم سوءاً بالجفاف إذا لم يشرب المريض السوائل بكميات كافية. 

ويستحسن في مرضى الحصيات بالذات الامتناع عن الصيام في الأيام الشديدة الحرارة، حيث تقل كمية البول بدرجة ملحوظة مما يساعد على زيادة حجم الحصيات، ويعود تقدير الحالة إلى الطبيب المختص. 

وعموماً ينصح مرضى الحصيات الكلوية بتناول كميات وافرة من السوائل في المساء وعند السحور، مع تجنب التعرض للحر والمجهود المضني أثناء النهار. 

ج) التهاب الحويضة والكلية المزمن: 
وقد تؤدي هذه الحالة بعد فترة من الزمن إلى حدوث الفشل الكلوي، ولهذا يستحسن عدم الصوم، فقد يزيد ذلك من احتمال حدوث الفشل الكلوي، ويعود تقرير ذلك إلى الطبيب المعالج. 

د) التهاب الكبب والكلى المزمن: 
وفيه تصاب الكلى بخلل في وظائفها، وقد يؤدي ذلك إلى حدوث (التناذر الكلوي) وفيه يصاب المريض بوذمة (انتفاخ) في الساقين، وبنقص في ألبومين الدم، وظهور كميات كبيرة من البروتين في البول. 

وينصح هؤلاء المرضى بعدم الصوم، وخاصة إذا كان المرض مصحوباً بالتناذر الكلوي وارتفاع ضغط الدم أو الفشل الكلوي. 

هـ) الفشل الكلوي المزمن: 
تمر بعض أمراض الكلى بمراحل قد تنتهي بما يسمى الفشل الكلوي المزمن، وذلك حينما يتخرب قسم كبير من أنسجة الكليتين، ويشكو المريض حينئذ من الإعياء والفواق وكثرة التبول، والتبول الليلي والعطش.

ويرتفع في تلك الحالة مستوى البولة الدموية والكرياتنين، وقد يزداد بوتاسيوم الدم، وينصح مرضى الفشل الكلوي المزمن بعدم الصوم، أما إذا كان المريض يتلقى الغسيل الكلوي فربما يستطيع الصوم في اليوم الذي لا يجري فيه غسيل الكلى، ويفطر في يوم الغسيل الكلوي، ومرة أخرى ينبغي على المريض استشارة طبيبه المختص في ذلك. 

4. مريض السكري في شهر الصيام: 
يقسم مرضى السكر إلى فئتين، فئة تستطيع الصوم وأخرى تُمنع من الصوم. 

أ) مريض السكري الذي يستطيع الصوم: 
مريض السكري الكهلي (سكري النضوج) الذي يعالج بالحمية الغذائية فقط. 
مريض السكري الكهلي الذي يعالج بالحمية الغذائية والأقراض الخافضة لسكر الدم: وهذه الفئة تقسم بدورها إلى قسمين: 
1). المريض الذي يتناول حبة واحدة يومياً: يستطيع الصيام عادة، على أن يفطر بعد أذان المغرب مباشرة على تمرتين أو ثلاث تمرات مع كأس من الماء، وبعد صلاة المغرب يتناول وجبة الدواء ثم يبدأ بالوجبة الرئيسية للإفطار. 

2). الذي يتناول حبتين يومياً: يستطيع الصوم عادة، على أن يتناول حبة واحدة قبل الإفطار ونصف حبة قبل السحور بدلاً من الحبة الكاملة التي كان يتناولها قبل شهر رمضان، وهكذا لأكثر من حبتين يومياً، بحيث يكون المبدأ إنقاص جرعة ما قبل السحور إلى النصف بناء على توصية طبيبه المعالج. 

ب) مريض السكري الذي لا يستطيع الصوم: 
1. مريض السكري الشبابي (المريض الذي يصاب بمرض السكري دون الثلاثين عاماً من العمر). 
2. مريض السكري الذي يحقن بكمية كبيرة من الإنسولين (أكثر من 40 وحدة دولية يومياً)، أو الذي يتعاطون الإنسولين مرتين يومياً. 
3. المريض المصاب بالسكري غير المستقر. 
4. المريضة الحامل المصابة بالسكري. 
5. المريض المسنّ المصاب بالسكري لسنين طويلة، وفي الوقت نفسه يعاني من مضاعفات مرض السكر المتقدمة. 
6. المريض الذي أصيب بحماض ارتفاع السكر قبل شهر رمضان بأيام أو في بدايته. 

وينبغي التأكيد على الحقائق التالية: 
1. يجب على المريض الذي يصاب بنوبات نقص السكر أو الارتفاع الشديد في سكر الدم أن يقطع صيامه فوراً، لأنه يضطر إلى علاج فوري. 
2. ينبغي تقسيم الوجبات إلى ثلاثة أجزاء متساوية، الأولى عند الإفطار، والثانية بعد صلاة التراويح، والثالثة عند السحور. 
3. يفضّل تأجيل وجبة السحور قدر الإمكان. 
4. الحذر من الإفراط في الطعام، وخاصة الحلويات أو السوائل المحلاَّة.
وبصفة عامة فإن السماح بالصيام أو عدمه إضافة إلى تنظيم الدواء وأوقات تناولها يعود إلى الطبيب المعالج دون غيره. 

5. مريض الصدر في شهر الصيام: 
كثيراً ما تأتي أمراض الصدر فجأة على شكل التهاب في القصبات أو التهاب في الرئة. 

أ) التهاب القصبات الحاد: 
إذا كانت حالة التهاب القصبات الحاد بسيطة، فإن المريض يستطيع تناول علاجه ما بين الإفطار والسحور، أما إذا احتاج الأمر لمضادات حيوية تعطى كل 6 – 8 ساعات، أو إذا كانت الحالة شديدة فينصح بالإفطار حتى يشفى من الالتهاب.

ب) التهاب القصبات المزمن: 
وفيه يشكو المريض من سعال مترافق ببلغم يومياً ولمدة ثلاثة أشهر متتابعة ولسنتين متتابعتين على الأقل. 

وإذا كانت حالة المريض مستقرة استطاع الصيام دون مشقة تذكر، أما في الحالات الحادة التي تحتاج إلى مضادات حيوية أو موسعات القصبات أو البخاخات الحاوية على مواد موسعة للقصبات فيقدّر الطبيب المختص ما إذا كان المريض يستطيع الصوم أم لا. 

ج) الربو القصبي: 
قد تكون نوبات الربو خفيفة لا تحتاج إلى تناول أدوية عن طريق الفم، كما يمكن إعطاء المريض الأقراص المديدة التأثير عند الإفطار والسحور، وكثير من مرضى الربو من يحتاج إلى تناول بختين أو أكثر من بخاخ الربو عند الإحساس بضيق في الصدر، ويعود بعدها المريض إلى ممارسة حياته اليومية بشكل طبيعي، ولا ينبغي للمريض عند حدوث الأزمة متابعة الصيام، بل عليه تناول البخاخ فوراً، ومن العلماء الأفاضل من أفتى بأن هذه البخاخات لا تفطر. 

ولكن ينبغي الإفطار قطعاً عند حدوث نوبة ربو شديدة حيث كثيراً ما يحتاج المريض إلى دخول المستشفى لتلقي العلاج المكثف لها. 

كما ينبغي الإفطار إذا ما أصيب بنوبة ربو لم تستجب للعلاج المعتاد، ويجب التنبه إلى أن الانقطاع عن الطعام والشراب في تلك الحالات يقلل بشكل واضح من سيولة الإفرازات الصدرية، وبالتالي يصعب إخراجها. 

د) السل (التدرُّن الرئوي): 
يستطيع المريض المصاب بالسل الصيام إذا كانت حالته العامة جيدة وفي غياب أية مضاعفات، شريطة أن يتناول المريض دواءه بانتظام، وتعطى أدوية السل عادة مرة واحدة أو مرتين في اليوم، أما في المرحلة الحادة من المرض فيستحسن عدم الصيام حتى يتحسن وضع المريض العام.

6. أمراض الغدد في شهر الصيام: 
الغدد الصماء: هي مجموعة من الأعضاء في جسم الإنسان تختص بإفراز الهرمونات. وأهم هذه الغدد: الغدة النخامية، والغدرة الدرقية، والغدد الكظرية، ومجاورات الدرق، والمبيضان والخصيتان والبنكرياس. 

أ) أمراض الغدد الدرقية: 
1). فرط نشاط الغدة الدرقية: 
وينجم عن إفراز كميات زائدة من هرمون الثيروكسين، ويشكو المريض عادة من تضخم في الغدة الدرقية (في أسفل الرقبة) ونقص في الوزن ورجفان وخفقان. 

وإذا كانت حالة المريض مستقرة أمكنه الصوم، شريطة تناول الأدوية بانتظام. 

2). قصور الغدة الدرقية: 
ويشكو المريض في هذه الحالة من الوهن والإعياء الشديد ونقص في النشاط الفكري والعصبي. 

ويعطى هرمون الثيروكسين مرة واحدة يومياً كعلاج لهذه الحالة، وبذلك يمكن للمريض الصيام دون أي تأثير خاص. 

3). أورام الغدة الدرقية: 
ليس للصوم تأثير على أورام الغدة الدرقية، ويمكن للمريض الصيام، وعلاج أورام الدرق عادة جراحي. 

4). التهابات الغدة الدرقية الحادة: 
وتسبب عادة ألماً في الغدة وقد تحدث الحمى، مما قد يجعل الصوم غير ممكن في المرحلة الحادة، شأنه في ذلك الأمراض الحادة، أما الالتهابات المزمنة للغدة الدرقية فلا تتعارض عادة مع الصوم. 

ب) أمراض الغدة الكظرية:
الكظران غدتان تقعان فوق الكليتين وتفرزان عدة هرمونات أهمها الكورتيزول والألدوسترون والهرمونات التناسلية. 

وأمراضها عادة غير شائعة وأهمها: 

1- مرض كوشينغ: 
وفيه يحدث وهن في الجسم، وارتفاع ضغط الدم، وبدانة مركزية تتجنب الأطراف وتدور في الوجه، كما قد يحدث فيه مرض السكر، ولا ينصح فيه بالصوم. 

2- مرض أديسون: 
ويحدث فيه قصور في إفراز الكورتيزول، نتيجة تلف في الغدد الكظرية، ويحدث فيه انخفاض في ضغط الدم ووهن شديد وتغير في لون البشرة يميل إلى السواد... إلخ. 

وينبغي فيه تجنب الصوم، خصوصاً وأنه قد يصاحبه هبوط سكر الدم. 

3- الورم القتامي : 
وهو مرض نادر يسبب ارتفاعاً متأرجحاً في ضغط الدم ونوبات من التعرق والخفقان والوهن العام. 

وينصح فيه بتجنب الصوم، والاستئصال الجراحي لهذا الورم يتلوه عادة شفاء تام، مما يجعل الصوم ممكناً. 

ج) أمراض الغدة النخامية: 
وهي أيضاً أمراض نادرة، وأهمها مرض (ضخامة النهايات) وقصور الغدة النخامية، وينصح فيهما بعدم الصوم. 

7. الأمراض العصبية والنفسية في شهر الصيام: 
أ) الصرع: 
يستطيع المصاب بالصرع أو الاختلاجات الصيام، شريطة أن يتناول الأدوية المضادة للاختلاج بانتظام، فهناك حالياً أدوية تعطى مرة واحدة باليوم للسيطرة على الاختلاجات. 

ب) الاكتئاب: 
يستطيع مريض الاكتئاب الصيام شريطة أن يتناول الأدوية المضادة للاكتئاب بانتظام، وتعطى هذه الأدوية عادة مرة أو مرتين في اليوم. 

ج) مريض الفصام: 
لا يجوز لمريض الفصام الصيام، فإن التوقف عن استعمال أدوية الفصام قد يؤدي إلى نوبات من العنف والضلالات الخاطئة والهلاوس، وقد يؤدي ذلك إلى الاعتداء على الآخرين.

8. الحامل والمرضع في شهر الصيام: 
أوضحت الدراسات العلمية الحديثة أن صيام رمضان يؤدي إلى تغيرات فسيولوجية وكيميائية عند الحامل، ولكنها لا تؤثر على الحامل السليمة البدن والتي لا تشكو من أية أمراض عضوية. 

ومع ذلك لا يمكن إطلاق قول حاسم على كل الحوامل والمرضعات بحيث تقول إن هناك حامل أو مرضع تستطيع الصيام، وأخرى لا تقدر عليه. وإذا ما شعرت الحامل والمرضع بصداع شديد، أو (زغللة) في العينين، أو هبوط وإجهاد عام، أو عدم القدرة على القيام بأي نشاط فإن ذلك يعني حدوث انخفاض واضح في سكر الدم، أو أن هناك أمراً غير طبيعي، وعليها استشارة الطبيب المعالج. 

أ) ما هي الأحوال المرضية التي تجيز للحامل الإفطار؟ 
انخفاض ضغط الدم الانقباضي (الرقم الأعلى) عن 100 ملم زئبقي، حيث قد يسبب هذا الانخفاض إحساساً بالإغماء إضافة إلى عدم القدرة على التركيز. 
القي المصاحب للحمل، وخاصة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. 
التسمم الحملي: حيث يحدث ارتفاع في ضغط الدم، ويظهر الزلال في البول كما تحدث وذمة في الأطراف. 
حدوث انخفاض في سكر الدم. 
وجود مرض عضوي، وذلك تحت إشراف الطبيب المعالج. 
والخلاصة: فإن موضوع صيام الحامل في شهر رمضان يعتمد على حالة الحامل والجنين قبل دخول شهر رمضان، فإن كانت كافة المؤشرات والفحص السريري تشير إلى تمام صحة الحامل والجنين فإن الطبيب على الأغلب سيشير بالاستمرار في الصيام، ويعود تقرير ذلك إلى الطبيبة أو الطبيب الأخصائي المسلم. 

9. الرضاعة والصيام: 
يمكن للمرأة المرضع صيام شهر رمضان، شريطة أن يكون هناك تعويض في نوعية الطعام والشراب أثناء شهر رمضان في الفترة المسائية، وشريطة أن لا تتأثر كمية ونوعية الحليب (اللبن) عند الطفل الرضيع. 

أما إذا خافت المرضع على نفسها أو رضيعها من جرَّاء الصيام، أو أثَّر ذلك على الرضاعة، جاز لها أن تفطر. 

والخلاصة: فإن تقرير إمكانية الصيام أو عدمه ليس بالأمر السهل، ولا يمكن تقرير قواعد عامة لجميع المرضى، بل ينبغي بحث كل مريض على حدة، ولا يتيَّسر ذلك الأمر إلا للطبيب المسلم المختص، فهو يملك ما يكفيه من المعطيات التي تمكنه من نصح مريضه بإمكانية الصوم أو عدمه. 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

(( الصِّيامُ جُنَّة ))


صعِدَ خطيبٌ المنبرَ في أول جُمُعةٍ من رمضانَ، وألقى خُطبةً بليغةً عصماءَ، عن فضل شهر الصَّوم،

يرغِّب فيها المسلمين باغتنام الشَّهر الكريم بالعبادة والطاعات، ويَحُثُّهُم على الإكثار من النَّوافل والقُرُبات.

وكان مما استشهَدَ به الخطيبُ على فضيلة الصِّيام، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم :(( الصِّيامُ جُنَّة ))[ متفق عليه من حديث أبي هريرة ]،
ولكنه أخطأ في ضَبطه، وصحَّف نُطقَه، فجعلَه: ( جَنَّة ) بفتح الجيم،
ولم يَفتأ يكرِّر الحديثَ، ويعيدُه مَلحونًا محرَّفًا،
يقول: الصِّيامُ جَنَّة، نعم أيها الإخْوَة، الصِّيامُ جَنَّةٌ عَرضُها السماواتُ والأرضُ، الصِّيامُ جَنَّةٌ فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بشَر.
كلُّ هذا وهو يفتح الجيم؛ متوهِّمًا أن المرادَ في الحديث: الجَنَّة، التي هي دارُ النعيم التي أعدَّها الله في الحياة الآخرة لأهل طاعَته من عباده المؤمنين، جَزاءً وِفاقًا؛ لإحسانهم في الحياة الدُّنيا.

وما إن نزلَ الخطيبُ عن المنبر حتى بادَرَه أحدُ المصلِّين بقوله: ولكنَّ الحديثَ يا شيخنا: (( الصِّيامُ جُنَّة )) بضم الجيم، أي: أنه وِقايَةٌ وسَتْر.
فأُسقِطَ في يد الخطيب المسكين، وانقطَعَت دونه مسالكُ الاعتذار، وعَقَدَ لسانَه الاستحياءُ من هذا الموقف الحَرِج العَصيب، الذي لا يُحسَد عليه البتَّة.

ولو أنَّ الخطيبَ اطَّلَع على الروايات الأُخرى للحديث، لكان سَلِمَ مما وَقَعَ فيه،
ومن تلك الروايات روايةٌ صريحةٌ بيِّنة، وهي بلفظ: (( الصَّومُ جُنَّةٌ منَ النَّار ))،
ومن هنا قال الإمامُ ابن العربيِّ المالكيُّ في تفسير الحديث: إنما كانَ الصَّومُ جُنَّةً من النار؛ لأنه إمساكٌ عن الشَّهَوات، والنارُ مَحفوفَةٌ بالشَّهَوات، فالحاصِلُ أنه إذا كَفَّ نفسَه عن الشَّهَوات في الدُّنيا، كان ذلكَ ساتِرًا له من النار في الآخِرة.



الاثنين، 26 أكتوبر 2015

الصوم في غيـر رمضان



الصوم في غيـر رمضان

شهر رمضان شهر التقوى والصوم ، يعين العبد على نفسه ، فيلزمها التقوى ، ولقد جاءت آيات الصيام في سورة (( البقرة )) مفتتحة بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ‏ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ } [ البقرة : 183 ] ،
لذلك كان صوم رمضان تهذيبًا وتدريبًا للمسلم ، وتعليمًا وتمرينًا له على الصبر وحسن الخلق الذي يبقى له مصاحبـًا في سائر حياته ؛ لذلك جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين المعنى التربوي في الصوم .
منها ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس للَّه حاجة أن يدع طعامه وشرابه )) . [ أخرجه البخاري ( 1903، 6057 ) ] .
وعنه رضي اللَّه عنه من حديث النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه : (( وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم )) .وكذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد اللَّه بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء )) .
لذلك كان الصوم كفارة ؛ لحديث البخاري عن حذيفة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة )) . 
وجعل اللَّه للصائمين بابـًا في الجنة اسمه الريان ؛ لما أخرجه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد ، رضي اللَّه عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن في الجنة بابـًا يُقال له : الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم ، يقال : أين الصائمون ؟ فيقومون ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أغلق ، فلن يدخل منه أحد )) .
وفي رواية للبخاري : (( في الجنة ثمانية أبواب ، فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون )) .
فالصوم تربية للمسلم في دنياه وعون له على تملك شهواته وضبطها ، وكذلك منزلة له عند ربه ، وفتح لباب من أبواب الجنة يدخل منه ، فإن كان الصوم المفروض في رمضان ، فالصوم مشروع في غير رمضان ، ولا يحرم إلا في العيدين ويوم الشك ، ويكره في أيام التشريق ، ويكره إفراد الجمعة ، وإفراد السبت نافلة لغير صوم معتاد .

وينقسم الصوم في غير رمضان إلى قسمين :
صوم نافلة ، وصوم فريضة .
أولاً : صوم النافلة :
وهو من الخصال المكفرة لحديث حذيفة : (( فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة )) .ففي مسلم من حديث أبي قتادة الأنصاري ، رضي اللَّه عنه ، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم عرفة ، فقال : (( يكفر السنة الماضية والباقية )) . قال : وسُئل عن صوم يوم عاشوراء ، فقال : (( يكفر السنة الماضية )) .وفي حديث الشيخين عن أبي سعيد الخدري ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( ما من عبد يصوم يومـًا في سبيل اللَّه إلا باعد اللَّه بذلك وجهه عن النار سبعين خريفـًا )) . وحديث الترمذي عن أبي أمامة ، رضي اللَّه عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من صام يومـًا في سبيل اللَّه جعل اللَّه بينه وبين النار خندقـًا كما بين السماء والأرض )) .

أقسام صوم النافلة :

أ - الصوم المطلق :

أخرج البخاري ومسلم عن أنس ، رضي اللَّه عنه ، كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه ، ويصوم حتى نظن أنه لا يفطر منه شيئـًا .وأخرجا عن ابن عباس ، رضي اللَّه عنهما : ما صام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شهرًا كاملاً قط غير رمضان ، وكان يصوم حتى يقول القائل : لا واللَّه لا يفطر ، ويفطر حتى يقول القائل : لا واللَّه لا يصوم .

ب - الصوم المقيد :

1- صوم عاشوراء : أخرج البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري ، رضي اللَّه عنه ، قال : كان يوم عاشوراء يومًا تعظمه اليهود وتتخذه عيدًا ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( صوموه أنتم )) .وأخرج مسلم عن ابن عباس ، رضي اللَّه عنهما ، يقول : حين صام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه ، قالوا : يا رسول اللَّه ، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( فإذا كان العام القابل إن شاء اللَّه صمت اليوم التاسع )) ، فلم يأت العام القابل حتى توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .

2- صوم يوم عرفة : أخرج مسلم عن أبي قتادة ، رضي اللَّه عنه ، قال : سُئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة ؟ قال : (( يكفر السنة الماضية والباقية )) ، وسُئل عن صوم يوم عاشوراء ، فقال : (( يكفر السنة الماضية )) .

3- صوم ست من شوال :
أخرج مسلم عن أبي أيوب الأنصاري ، رضي اللَّه عنه ، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : (( من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر )) .

4- صوم تسعة أيام من ذي الحجة :
أخرج أبو داود والنسائي عن هنيدة بن خالد ربيب عمر بن الخطاب أن امرأة دخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فسمعتها تقول : إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسعًا من ذي الحجة وثلاثة أيام من كل شهر : أول إثنين من الشهر ، وخميسين .
وأخرج البخاري عن ابن عباس ، رضي اللَّه عنهما ، قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى اللَّه من هذه الأيام )) يعني : أيام العشر . قالوا : يا رسول اللَّه ولا الجهاد في سبيل اللَّه ؟ قال : (( ولا الجهاد في سبيل اللَّه ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء )) .

5- صوم المحرم : لحديث مسلم عن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( أفضل الصيام بعد رمضان شهر اللَّه المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل )) .

6- صوم شعبان : لحديث البخاري ومسلم عن عائشة ، رضي اللَّه عنها : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر أكثر من شعبان ، فإنه كان يصوم شعبان كله إلا قليلاً .وأخرج النسائي عن أسامة بن زيد قال : قلت : يا رسول اللَّه ، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال : ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم .

7- صوم أيام من الأسبوع : أخرج النسائي والترمذي وابن ماجه عن عائشة ، رضي اللَّه عنها ، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام الإثنين والخميس .

8- صيام أيام البيض من كل شهر : أخرج النسائي عن ملحان قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة . قال : وقال : هن كهيئة الدهر .

ثانياً صوم الفريضة :
وهو الصوم الذي يلزم المسلم فيثاب على فعله ويعاقب على تركه، ويلزمه قضاؤه إذا فسد أو أفطره.وهو الصوم الذي تجب النية فيه قبل الفجر ، ولا يتوقف على إذن زوج لزوجته ولا غيره ، وهو أنواع :

أولاً : صوم القضاء : يقول رب العزة سبحانه : { أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم‏ مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ البقرة : 184 ] .
فالمرض الذي يشق معه الصوم أو يزيد معه المرض أو يتأخر البرء رخص رب العزة لصاحبه في الفطر ، وكذلك السفر ؛ وذلك للمشقة في الغالب ، ولتحقيق مصلحة الصيام لكل مؤمن ، أمر اللَّه من أفطر هذه الأيام من رمضان أن يقضي أيامـًا أُخر إذا زال المرض أو انقضى السفر وحصلت الراحة ، والفطر إذا صعب الصوم صار هو الأولى ؛ لقول اللَّه عز وجل : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ‏الْعُسْرَ } [ البقرة : 185 ] ، وفي السفر يروي البخاري عن أنس قال : كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر وا المفطر على الصائم .
وكذلك تفطر المرأة الحائض والنفساء وتقضي أيامـًا بعدد ما أفطرته من رمضان . وتلك الأيام يجوز أن تكون في أيام قصيرة مكان أيام طويلة أو معتدلة في مقابل الأيام الحارة أو الباردة والعكس جائز .
هذا ، ويصح أن تكون متصلة أو منفصلة ، ويجوز تأخير القضاء مع القدرة وإن كان الأولى التعجيل به ؛ لحديث عائشة عند البخاري ومسلم قالت : كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان لمكان النبي صلى الله عليه وسلم .
وإذا تأخر الصوم حتى مضى رمضان لغير علة تمنعه فقد أوجب بعض أهل العلم القضاء بالصيام والفدية بالإطعام عن كل يوم لم يقضه حتى دخل رمضان ، وإن كان البخاري قد رد ذلك بقوله : ولم يذكر اللَّه تعالى الإطعام ، إنما قال : { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } .ثانيًا : صوم النذر :والنذر ما أوجب العبد على نفسه تبرعـًا من عبادة أو صدقة أو غير ذلك .قال تعالى : { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا } [ مريم : 26 ] ، وقال تعالى : { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } [ البقرة : 270 ] ، وقوله تعالى : { إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [ آل عمران : 35 ] ، وقد امتدح اللَّه سبحانه الموفين بالنذر في قوله تعالى من سورة الإنسان : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُون َيَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } [ الإنسان : 7 ] ، ولم يَرِد مدحٌ للناذرين ، بل في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر ، وقال : إنه لا يرد شيئـًا ، وإنما يُستخرج به من البخيل .وفيه النهي عن النذر ذلك إنما لتأكيد الأمر به والتحذير من التهاون به بعد إيجابه ، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك إبطال حكمه وإسقاط لزوم الوفاء به ؛ ولذا فلقد ورد في البخاري حديث عائشة ، رضي اللَّه عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من نذر أن يطيع اللَّه فليطعه ، ومن نذر أن يعصي اللَّه فلا يعصه )) .
وفي البخاري ومسلم من حديث عمران بن حصين ، رضي اللَّه عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم ينذرون ولا يوفون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، ويشهدون ولا يستشهدون ، ويظهر فيهم السِّمَن )) .
وصوم النذر إذا مات العبد عنه صام عنه وليه ؛ لحديث عائشة : (( من مات وعليه صوم صام عنه وليه )) . والحديث في البخاري .
ونورد هنا كلام ابن القيم في بيان أن ذلك في صوم النذر ، يقول : وقد اختلف أهل العلم فيمن مات وعليه صوم هل يُقضى عنه ؟ على ثلاثة أقوال :
أحدها : لا يقضى عنه بحال ، لا في النذر ولا في الواجب الأصلي ، وهذا ظاهر مذهب الشافعي ، ومذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابه .
الثاني : أنه يُصام عنه ، وهذا قول أبي ثور وأحد قولي الشافعي .
الثالث : أنه يُصام عنه النذر دون الفرض الأصلي ، وهذا مذهب أحمد المنصوص عنه وقول أبي عبيد والليث بن سعد ، وهو المنصوص عن ابن عباس ، حيث روى الأثرم عنه أنه سُئل عن رجل مات وعليه نذر صوم شهر ، وعليه صوم رمضان ؟ قال : أما رمضان فليطعم عنه ، وأمَّا النذر فيُصام . 
وهذا أعدل الأقوال ، وعليه يدل كلام الصحابة ، وبهذا يزول الإشكال .
وتعليل حديث ابن عباس أنه قال : لا يصوم أحد عن أحد ، ويطعم عنه . 
فإن هذا إنما هو في الفرض الأصلي ، وأمَّا النذر فيُصام عنه ، كما صرح به ابن عباس ، ولا معارضة بين فتواه وروايته ، وهذا هو المروي عنه في قصة من مات وعليه صوم رمضان وصوم النذر ، ففرق بينهما ؛ فأفتى بالإطعام في رمضان وبالصوم عنه في النذر ، فأي شيء من هذا مما يوجب تعليل حديثه ؟ 
وما روي عن عائشة ، رضي اللَّه عنها ، من افتائها في التي ماتت وعليها الصوم : أنه يطعم عنها ، إنما هو في الفرض لا في النذر ؛ لأن الثابت عن عائشة فيمن مات وعليه صيام رمضان أنه يُطعم عنه في قضاء رمضان ولا يُصام ، فالمنقول عنها كالمنقول عن ابن عباس سواء ، فلا تعارض بين رأيها وروايتها ، وبهذا يظهر اتفاق الروايات في هذا الباب ، وموافقته فتاوى الصحابة لها ، وهو مقتضى الدليل والقياس ؛ لأن النذر ليس واجبًا بأصل الشرع ، وإنما أوجبه العبد على نفسه ، فصار بمنزلة الدَّيْن الذي استدانه ، ولهذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالدِّين في حديث ابن عباس ، والمسئول عنه فيه : أنه كان صوم نذر ، والدَّيْن تدخله النيابة .
وأما الصوم الذي فرضه اللَّه عليه ابتداءً فهو أحد أركان الإسلام ، فلا يدخله النيابة بحال ، كما لا يدخل الصلاة والشهادتين ، فإن المقصود منها طاعة العبد بنفسه ، وقيامه بحق العبودية التي خلق لها وأمر بها ، وهذا أمر لا يؤديه عنه غيره ، كما لا يُسْلِم عنه غيره ، ولا يُصَلِّي عنه غيره ، وهكذا من ترك الحج عمدًا مع القدرة عليه حتى مات ، أو ترك الزكاة فلم يخرجها حتى مات ، فإن مقتضى الدليل وقواعد الشرع ؛ أن فعلها عنه بعد الموت لا يبرئ ذمته ، ولا يقبل منه ، والحق أحق أن يتبع .
وسر الفرق : أن النذر التزام المكلَّف لما شغل به ذمته ؛ لأن الشارع ألزمه به ابتداءً فهو أخف حكمًا مما جعله الشارع حقًّا له عليه ، شاء أم أبى ، والذمة تسع المقدور عليه المعجوز عنه ، ولهذا تقبل أن يشغلها المكلَّف بما لا قدرة له عليه ، بخلاف واجبات الشرع ، فإنما على قدر طاقة البدن ، لا تجب على عاجز ، فواجب الذمة على نفسه متمكن من إيجاب واجبات واسعة ، وطريق أداء واجبها أوسع من طريق أداء واجب الشرع ، فلا يلزم من دخول النيابة في واجبها بعد الموت دخولها في واجب الشرع ، وهذا يبين أن الصحابة أفقه الخلق ، وأعمقهم علمًا ، وأعرفهم بأسرار الشرع ومقاصده وحكمه ، وباللَّه التوفيق . ( انتهى كلام ابن القيم ) .

ثالثًا : صيام الكفارات :

الكفارة : قال النووي : الكفارة أصلها من الكفر - بفتح الكاف - وهو الستر ؛ لأنها تستر الذنب وتذهبه ، هذا أصلها ، ثم استعملت فيما وجد فيه صورة مخالفة أو انتهاك ، وإن لم يكن فيه إثم كالقتل خطأ وغيره .

والكفارات المشروعة هي : العتق ، والصيام ، والطعام ، والكسوة .

هذا ، وكفارة الجماع في رمضان ، والظهار ، والقتل مرتبة ابتداءً وانتهاءً ، يعني أنه لا ينتقل عن عتق الرقبة ، إلا أن لا يستطيع ، وعدم الاستطاعة إما أن تكون حِسِّية ؛ بمعنى أنه لا يملك المال أو يملك المال ولكن لا يستطيع التصرف فيه لغياب أو حجر أو غيره من الموانع الشرعية ، وإما أن تكون شرعية ؛ كأن لا يقدر على ثمنها بعد وفاء مؤنة من يعول ، أو لا توجد الرقبة التي تباع وتشترى ، فهذا ينتقل من العتق إلى صوم شهرين متتابعين ، فإن كان عاجزًا لهرم أو مرض أو خاف زيادة مرض فعليه إطعام ستين مسكينـًا .

وكفارة القتل الخطأ ليس فيها إطعام ، بل هي عتق رقبة ، فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين .وكفارة اليمين فيها التخيير ابتداءً والترتيب انتهاء .
والتخيير بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، إذا لم يجد الحانث في يمينه ما يكفر به عنها من إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة أو عجز عن ذلك كان عليه أن ينتقل إلى الصوم ، فيصوم ثلاثة أيام ؛ لقوله تعالى : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ المائدة : 89 ] .
وقد اختلف الفقهاء في اشتراط التتابع في الصيام للكفارة ، وسبب الخلاف قراءة ابن مسعـود : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعـــات ) ، وهـي قراءة شاذة ، حيث إن من العلماء من يعد القراءة الشاذة حديثًا إن صح كان الأخذ بها كالأخذ بأحاديث الآحاد من السنة . 
والأحناف والصحيح عند الحنابلة وقول عند الشافعية وجوب التتابع ، أما المالكية والشافعية فيستحبون التتابع ولا يوجبونه .

اشترط الفقهاء لجواز الصيام في الكفارة :

النية : فلا يجوز صوم الكفارة من غير نية من الليل ؛ لأنه صوم واجب .
التتابع : في صوم كفارة الظهار والقتل والجماع في نهار رمضان ، فإن قطع التتابع ولو اليوم الأخير وجب الاستئناف .
أما عن كفارة اليمين ، فهذا موضوع العدد القادم بإذن اللَّه تعالى .ْ

الأحد، 25 أكتوبر 2015

حقيقة الصوم وحِكمه



حقيقة الصوم وحِكمه


الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وآله وصحبه الشُرفا و بعد فإن الله اصطفى شهر رمضان وميزه عن غيره وجعل له خصائص عظيمة ومزايا حسنة. قال تعالى ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ). ولا شك أن العمل الصالح في هذا الزمان الفاضل يضاعف أضعافا عظيمة.

وكثير من الناس يتصور أن حقيقة الصوم هو ترك الطعام والشراب والجماع وغيره من الملذات المباحة قبل الصوم ، ويقصر فهمه عن إدراك حقيقة الصوم وأهدافه وثماره العظيمة. 
كما أن الإلف والعادة جعلت كثيرا من المسلمين يقوم بالصوم ويمسك عن المفطرات من غير استشعار لمعنى التقرب والتعبد لله وتحقيق الحكمة فيه. 

والصوم عبادة جليلة وهو سر بين العبد وربه ، وهو يشتمل على معاني عظيمة وأسرار وحكم خطيرة يبصرها ويتفكر فيها من فتح الله عليه من عباده وهم ما بين مقل ومستكثر فمنهم من يحيط بكثير منها ومنهم من يدرك طرفا منها بحسب النور الذي يقذفه الله في قلب المؤمن. وإليكم شيئا من تلكم المعاني والحكم: 

(1) إن حقيقة الصوم إضافة إلى ترك الملذات الحسية ترك أيضا جميع المحرمات والآثام ، صوم القلب عن الوساوس والشبهات وصوم السمع والبصر عن الخطايا وصوم اللسان عن الآفات وصوم الفرج والبطن واليد والرجل عن المعاصي والذنوب ، فالصوم مفهوم واسع يشمل صوم القلب وسائر الجوارح عن المحرمات الحسية والمعنوية ، وقد نبه الله العبد في تركه الملذات الحسية على ترك جميع المعاصي والآثام فإذا كان العبد مطلوب منه ترك ما كان مباحا له قبل دخول الشهر فلئن يترك وينأى بنفسه عن المحرمات التي حرمت عليه طيلة السنة من باب أولى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجه أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري. وقال عمر رضي الله عنه:" ليس الصيام من الطعام والشراب وحده ولكنه من الكذب والباطل واللغو والحلف". 

(2) إن الله عز وجل أمرنا و تعبدنا بترك الطعام والشراب والملذات ليس لتعذيبنا ولا تكليفنا بالمشقة و إنما لتحقيق العبودية والتقرب إليه و الإفتقار والذل إليه ، وذلك أن العبد إذا ترك ما كان محببا له ويشتهيه لأجل الله و قدم محبة الله على محبوباته كان عبدا لله ، وهكذا كلما تذلل العبد وافتقر لله كان أكمل عبودية له ، وهذا معنى العبودية الحقة أن يسلم العبد أمره لله فيترك ما حرمه و يمنع ما منعه ويبيح ما أباحه فكل أمره لله. قال الله عز وجل: ( يدع طعامه وشرابه وشهوته لأجلي) متفق عليه. 

ولذلك تتحقق العبودية وتكمل في مقامات الذل و الإفتقار لله: 
1- في دعاء الله واستغاثته بالله ولذلك فإن الله يحب الملحين في الدعاء. 
2- وفي سجوده وإذلال أشرف أعضائه ولذلك أقرب ما يكون العبد من ربه و هو ساجد. 
3- وفي ذبحه ونهره الدم لله فإنه ما شيء أحب إليه من دم مهراق. 

(3) وفي صوم العبد وإمساكه يتعود على الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله فإذا داوم على ترك الملذات طاعة لله وصبر على ذلك رجاء ثواب الله ورضوانه أكسبه ذلك قوة في تحمل كلفة العبادة و قوة في تحمل ترك المعصية و قوة في ترك ما ألفته نفسه واعتادته من العادات والأخلاق الغير محبوبة لله. قال تعالى ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ). وقد فسر مجاهد وغيره الصبر بالصوم. ولهذا يسمى شهر رمضان بشهر الصبر ، وقد روي في السنة (الصوم نصف الصبر). 

(4) في صوم العبد عن الملذات في رمضان يتجلى معنى عظيم هو افتقار العبد لمولاه وأنه مملوك ومدبر تحت تصرف سيده ليس له من الأمر شيء الأرض أرضه والعبيد عبيده والأمر أمره والكل تحت سلطانه وقهره ، فالعبد يمسك طيلة يومه عن ما حرمه الله عليه ولا يفطر حتى يأذن الله له بغروب الشمس ولو خالفه كان عاصيا لله فلا ينتفع برزق ولا أرض ولا مال إلا فيما أباحه الله وأذن له ، وهذا يدل على ملازمة الفقر للعبد وغنى الله المطلق. قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ). 

(5) في صوم العبد تضعف شهوته ويقل أثر الشيطان عليه أو يزول بالكلية ويقوى إيمان العبد ، ولذلك إذا صام العبد عزف عن الشهوات وأقبل على الطاعات وسلم من الشبهات. وبهذا يستطيع العبد أن يتخلص من سلطان الشيطان ويقوى على مقاومته. ولذلك ورد في الصحيح ‏(‏إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم‏)‏‏. وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الشاب ذا الشهوة الذي لا يقدر على الزواج بالصوم ليطفأ شهوته ويقيه الفتنة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) متفق عليه. 

(6) و في شهر الصوم وكثرة عباداته ونوافله يجتهد العبد في الطاعة ، فإذا اشتغل العبد بالصيام والقيام وتلاوة القرآن والذكر والإحسان صار من أهل النسك وتعود على الطاعة ونشأ لديه ملكة نفسية وإقبال في التقرب والتعبد لله وهذا معنى لطيف ، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في شهر رمضان ما لا يجتهد في غيره ، وإذا دخلت العشر الأواخر شدّ مئزره وأحيى ليله، وأيقظ أهله .

(7) و في صوم العبد وجوعه وعطشه يشعر بحاجة الفقراء والمساكين المحرومين ويحس بألمهم ومعاناتهم ، فلئن حرم من الملذات شهر رمضان باختياره مع قدرته على الترف فالفقراء محرومون من النعيم طيلة السنة رغما عنهم ، وإذا استشعر العبد هذا حمله على البذل والإحسان إلى البائسين وتفقد أحوالهم وقضاء حوائجهم وصار رحيما قريب الشفقة كسير القلب وهذا هو مقام الإحسان إلى الخلق. قال تعالى ( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). ولذلك (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل) رواه البخاري. وقد رغب الشرع المؤمنين بالإحسان في هذا الشهر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء ) رواه النسائي.

(8) وفي صوم العبد عن الملذات يتجلى معنى عظيم وحكمة جليلة في نفس المؤمن هي تركه للترف وما ألفه من الشهوات والتوسع في المباحات و اعتياده على التقلل من الدنيا والشعور بقرب الرحيل منها. وهذا هو مقام الزهد الذي يسلكه الكمل من أهل الإيمان. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزهد الناس وكان الصديقون والصالحون زاهدين في زخرف الدنيا وزينتها طيلة السنة فإذا دخل شهر رمضان لم يجدوا ما يجد غيرهم من المشقة ولم يفقدوا الكثير. قالت عائشة رضي الله عنها في وصف عيش النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا كنا آل محمد ليمر بنا الهلال ما نوقد ناراً، إنما هما الأسودان التمر والماء) رواه البخاري و مسلم . فلا يليق بالمؤمن أن تكون هيئته وحياته هيئة المترفين والمتكبرين وأهل الشهوات. ويتكرر معنى الزهد في كثير من العبادات الجليلة كالتجرد من اللباس في الحج وغير ذلك. 

(9) في صوم العبد يصفو الفكر ويرق القلب وتنكسر النفس ويصير العبد مخبتا قريبا من الله فإذا ذكر الله استشعر قربه وإذا دعاه دعاه بيقين وحسن ظن بوعده ، وتقوى صلة العبد في هذا الشهر بكلام ربه ويفتح الله عليه في تلاوة القرآن ما لا يفتح عليه في غيره فإن قرأ وهو صائم صادف محلا عظيما في تدبره وتعقله والتفكر به فخشع قلبه وتأثرت نفسه واجتهد في ختمه. ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد العناية بالقرآن في رمضان ، وكان جبريل عليه السلام يدارس الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن كل ليلة. وكان السلف الصالح إذا دخل رمضان تركوا كل شيء واشتغلوا بتلاوة القرآن ولهم في ذلك قصص ممتعة وأحوال عجيبة. فالصوم له روحانية عظيمة وأحوال إيمانية في نفس المؤمن تجعله يتذوق حلاوة الإيمان وطعم العبادة ومناجاة الخالق والتعلق به والتفات القلب إليه. 

(10) في صوم العبد تكفير لخطيئته وغسل لحوبته وغفران لذنبه ورفع لدرجته ومنزلته. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم ( الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ) رواه مسلم. ويعتق الله عبيده في شهر الصوم. قال صلى الله عليه وسلم : ( وينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ) رواه الترمذي. فالعبد لما كان غافلا في سائر السنة مسرفا على نفسه بالذنوب والسيئات مقصرا في النوافل والطاعات مشغولا بجمع الدنيا جعل الله له شهر الصوم ليجدد العهد بالله ويغفر ذنبه ويوقظه من غفلته ويقوي عزيمته في الطاعة ويتحرر من رق الدنيا وعبوديتها. 

وكل هذه المعاني والحكم والأسرار يرجى دخولها في قول الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ). فكلها وجوه وأنواع للتقوى.

ومما يؤسف أن هذه المعاني تغيب على كثير من المتعبدين بالصوم مما يجعل الصوم ثقيلا عليهم و يرى تضجرهم منه ووقوعهم فيما ينقص ثوابه من اللغو والسباب والغيبة والنميمة و تضييع نهاره بالنوم وليله بالسهر فيما لا فائدة فيه. 
وإذا استشعر العبد حكم الصوم ومعانيه واحتسب صومه صار من أيسر العبادات عليه وأحلاها وذاق حلاوته وأكثر منه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر منه. قالت عائشة رضي الله عنها ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ) رواه مسلم. 

وهذه العبادة العظيمة عبادة الصبر لا يوفق لها إلا الكمل من المؤمنين الذين فتح الله عليهم فيها.وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ومن أكثر من الصوم وعرف به أدخله الله تعالى يوم القيامة من باب الريان كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحدا) متفق عليه. 
والغالب على من ذلت نفسه بالصوم و داوم عليه أن يكون شديد التقوى والورع عما حرم الله. والموفق من وفقه الله تعالى.

الخميس، 22 أكتوبر 2015

ثمار الصوم



ثمار الصوم

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه طائفة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بين فيها فضل الصوم وجزاء الصائمين , وحصاد ما زرعوه طوال شهر رمضان .

الصوم مدرسة الإخلاص والتقوى : 
فالهدف الأسمى من الصوم التربية على الإخلاص والتقوى , قال تعالى : \" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) سورة البقرة .
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ عَلْقَمَةَ ، وَالأَسْوَدِ ، عَلَى عَبْداللهِ ، فَقَالَ عَبْداللهِ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَبَابًا ، لاَ نَجِدُ شَيْئًا ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ ، مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ ، فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ. أخرجه أحمد( 1/424(4023) و\"البُخَارِي\" 7/3(5066) و\"مسلم\" 4/128(3381).

الصائمون هم أهل السعادة في الدنيا والآخرة :
قال تعالى : \" وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) سورة البقرة .
عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ , وَأَبِى سَعِيدٍ , قَالاَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ إِنَّ الصَّوْمَ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ إِنَّ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَيْنِ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِىَ اللَّهَ فَرِحَ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. أخرجه أحمد 2/232(7174) و\"مسلم\" 3/158.

الصوم سبب لمغفرة الذنوب :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَقِيَ الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ : آمِينَ ، آمِينَ ، آمِينَ ، قِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا ؟ فَقَالَ : قَالَ لِي جِبْرِيلُ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يُدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ، قُلْتُ : آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ. أخرجه البخاري في \"الأدب المفرد\" 646 و\"ابن خزيمة\" (1888) حديث رقم : 3510 في صحيح الجامع .
عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ ، فَقَالَ : أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِتْنَةِ ، كَمَا قَالَ ؟ قَالَ : فَقُلْتُ : أَنَا ، قَالَ : إِنَّكَ لَجَرِيءٌ ، وَكَيْفَ قَالَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
فِتْنَةُ الرَّجُلِ ، فِي أَهْلِهِ ، وَمَالِهِ ، وَنَفْسِهِ ، وَوَلَدِهِ ، وَجَارِهِ ، يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ ، وَالصَّلاَةُ ، والصَّدَقَةُ ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ. أخرجه \"أحمد\" 5/401(23804) و\"البُخَارِي\" 1/140(525) .

في رمضان تفتح أبواب الجنة :
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ )). رواه البخاري في بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده (3277) ، ومسلم في الصيام (1079) ، والترمذي في الصوم (618) ، والنسائي في الصيام (2070) ، وابن ماجه في الصيام (1632) ، وأحمد (7108) ، ومالك في الصيام (691) ، والدارمي في الصيام (1710) .
والحديث يجب حمله على ظاهره بأن الله تعالى يفتح أبواب الجنة حقيقة في رمضان ، ولا داعِ للتأويل كما جرى من بعض الشراح .

في رمضان تفتح أبواب السماء :
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ )) . رواه البخاري في الصوم باب هل يقال رمضان (1899) ، والنسائي في الصيام (2079) ، والدارمي في الصوم (1710)
قَالَ الطِّيبِيّ : فَائِدَة فَتْح أَبْوَابِ السَّمَاءِ تَوْقِيف الْمَلائِكَة عَلَى اِسْتِحْمَاد فِعْل الصَّائِمِينَ وَأَنَّهُ مِنْ اللَّهِ بِمَنْزِلَةٍ عَظِيمَةٍ , وَفِيهِ إِذَا عَلِمَ الْمُكَلَّف ذَلِكَ بِإِخْبَارِ الصَّادِقِ مَا يَزِيدُ فِي نَشَاطِهِ وَيَتَلَقَّاهُ بِأَرْيَحِيَّة .
قلت : فتح أبواب السماء في رمضان هو من أوقات استجابة الدعاء ، فهو فرصة عظيمة لشغل هذا الزمن بالذكر والدعاء والتضرع .

في رمضان تفتح أبواب الرحمة :
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ )). رواه مسلم في الصيام باب فضل شهر رمضان (1079) ، والنسائي في الصيام (2073) و (2078) وأحمد (7723) و (8951).
من عظيم فضل شهر رمضان ، فتح أبواب الرحمة ، فينبغي لمن أراد لنفسه الخير أن يتعرض لهذه الرحمات بفعل الخيرات والإقبال على العمل الصالح بجد ونشاط وإخلاص ، عسى أن يناله الله تعالى برحمة منه ، وفي الحديث عن أنس رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : (( افعلوا الخير دهركم ، و تعرضوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده و سلوا الله أن يستر عوراتكم و أن يؤمن روعاتكم )) . رواه الطبراني في الكبير (720) وقال الهيثمي ( 10 / 231 ) : رواه الطبراني ، و إسناده رجاله رجال الصحيح غير عيسى بن موسى بن إياس بن البكير و هو ثقة ، وحسنه الألباني في الصحيحة (1890).
وعن محمد بن مسلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن لربكم في أيام دهركم نفحات ، فتعرضوا لها ، لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدا )). رواه الطبراني في الكبير والأوسط وحسنه الألباني في الصحيحة (4/511) .

في رمضان تغلق أبواب الجحيم وتصفد الشياطين :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ )). رواه الترمذي في الصوم باب ما جاء في فضل شهر رمضان (618) ، ورواه ابن ماجه في الصيام (1632) وصححه الألباني في صحيح الترمذي ، والحديث أصله في البخاري ومسلم بألفاظ مختصرة عن هذه الرواية وكذا رواه أحمد والنسائي بألفاظ مقاربة.

الصوم يباعد عن النار :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا )) . رواه البخاري في الجهاد والسير باب فضل الصوم في سبيل الله (2840) ، ومسلم في الصيام (1153) ، والترمذي في الجهاد (1548)والنسائي في الصيام (2219)،وابن ماجه في الصيام (1707) ، وأحمد (10826) ،والدارمي في الجهاد (2292) وأخرجه ابن حبان (3417) بسند صحيح ، والطيالسي (2186) . وعند النسائي : (( بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ مِنْ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ عَامًا )) رواه النسائي في الصيام (2215) . 
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ زَحْزَحَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ بِذَلِكَ الْيَوْمِ سَبْعِينَ خَرِيفًا )). رواه النسائي (2212) وصححه الألباني ، والترمذي في فضائل الجهاد (1547) ، وابن ماجه في الصيام (1708) ، وأحمد (7930) .

الصيام يشفع للعبد يوم القيامة :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، قَالَ : فَيُشَفَّعَانِ )) . رواه أحمد في مسند عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما (6337) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (10/118) : إسناده صحيح ونقله ابن كثير في فضائل القرآن (93) ، وهو في مجمع الزوائد (3/181) ، وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير ، ورجال الطبراني رجال الصحيح ، ورواه الحاكم في المستدرك (1/554) وقال : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي ، ورواه أبو نعيم في الحلية (8/61) ا.هـ ؛ والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع (3882) وقال : رواه أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي .

الصوم طريق إلى الجنة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ، وَأَقَامَ الصَّلاةَ ، وَصَامَ رَمَضَانَ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ )). رواه البخاري في الجهاد والسير باب درجات المجاهدين (2790) ، وأحمد (7863) .
وعَنْ جَابِرٍ : (( أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ وَصُمْتُ رَمَضَانَ وَأَحْلَلْتُ الْحَلالَ وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : وَاللَّهِ لا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا )). رواه مسلم في الإيمان باب الإيمان الذي يدخل به الجنة (15) ، وأحمد (13985) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : (( أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، قَالَ : تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ ، قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا )) . رواه البخاري في الزكاة باب وجوب الزكاة (1397) ، ومسلم في الإيمان (14) ، وأحمد (8310).
وعن سعد بن الأخرم قَالَ : (( أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ فَأَخَذْتُ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ أَوْ بِخِطَامِهَا فَدَفَعْتُ عَنْهُ ، فَقَالَ : دَعُوهُ فَأَرَبٌ مَا جَاءَ بِهِ ، فَقُلْتُ : نَبِّئْنِي بِعَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى الْجَنَّةِ وَيُبْعِدُنِي مِنْ النَّارِ ، قَالَ : فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ كُنْتَ أَوْجَزْتَ فِي الْخُطْبَةِ لَقَدْ أَعْظَمْتَ أَوْ أَطْوَلْتَ ، تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ ، وَتَأْتِي إِلَى النَّاسِ مَا تُحِبُّ أَنْ يُؤْتُوهُ إِلَيْكَ ، وَمَا كَرِهْتَ لِنَفْسِكَ فَدَعْ النَّاسَ مِنْهُ ، خَلِّ عَنْ زِمَامِ النَّاقَةِ )) . رواه أحمد (16264) ، وقال الزين في المسند (13/125) : إسناده صحيح .
وعن أبي أمامة قال : (( سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ : اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ )). رواه الترمذي في الجمعة (559) وقال حسن صحيح ، وأحمد (21657) ، وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

الريان باب من أبواب الجنة لا يدخله إلا الصائمون :
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لا يَدْخُلُهُ إِلا الصَّائِمُونَ )). رواه البخاري في بدء الخلق باب صفة أبواب الجنة (3257).
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ : الرَّيَّانُ ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، يُقَالُ : أَيْنَ الصَّائِمُونَ ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ )). رواه البخاري في الصوم (1896) ، ومسلم في الصيام باب فضل الصيام (1152) ، والترمذي في الصوم (696) ، والنسائي في الصيام (2204) ، وابن ماجه في الصيام (1630) ، وأحمد (22211) .
وعند الترمذي : (( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَبَابًا يُدْعَى الرَّيَّانَ يُدْعَى لَهُ الصَّائِمُونَ فَمَنْ كَانَ مِنْ الصَّائِمِينَ دَخَلَهُ وَمَنْ دَخَلَهُ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا )). رواه الترمذي في الصوم باب ما جاء في فضل الصوم (696) ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1/577).
وعند ابن حبان : (( فإذا دخل آخرهم أغلق ، من دخل شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبدًا )) . قال المنذري رواه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1/577) .
وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ : (( مَنْ دَخَلَ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا )) . رواه النسائي في الصيام (2204) .
وعن سَهْل قال : (( أَنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الصَّائِمُونَ هَلْ لَكُمْ إِلَى الرَّيَّانِ مَنْ دَخَلَهُ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ )). رواه النسائي موقوفًا في الصيام (2205) وصححه الألباني في صحيح النسائي .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ )). رواه البخاري في الصوم باب الريان للصائمين (1897) ، ومسلم في الزكاة (1027) ، والترمذي في المناقب (3607) ، والنسائي في الجهاد (3133) ، وأحمد (7397) ، ومالك في الجهاد (1021) وابن حبان في صحيحه (3419) .

في الجنة غرفاً أعدها الله للصائمين :
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا ، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ )). رواه الترمذي في البر والصلة باب ما جاء في قول المعروف (1907) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمَانِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ .
( وَأَدَامَ الصِّيَامَ ) أَيْ أَكْثَرَ مِنْهُ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بِحَيْثُ تَابَعَ بَعْضَهَا بَعْضًا وَلا يَقْطَعُهَا رَأْسًا , قَالَهُ اِبْنُ الْمَلَكِ . وَقِيلَ أَقَلُّهُ أَنْ يَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ 

صيام العبد يرفع درجته في الجنة :
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ : (( أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِسْلامُهُمَا جَمِيعًا ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْ الآخَرِ ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ ، ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ ، قَالَ طَلْحَةُ : فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِهِمَا ، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنْ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الآخِرَ مِنْهُمَا ، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ : ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ فَعَجِبُوا لِذَلِكَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ : مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ ؟ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ وَدَخَلَ هَذَا الآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ )) . رواه ابن ماجه في تعبير الرؤيا (3915) ، وأحمد (1404) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More