ارجوا اخذ نسخة احتياطية من القالب ندخل في الموضوع بدون إطالة تفضلو ا الكود رمز Code:
‏إظهار الرسائل ذات التسميات *صوم شهر الله المحرم *. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات *صوم شهر الله المحرم *. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 22 أكتوبر 2015

فضيلة الصوم في شهر الله المحرم




فضيلة الصوم في شهر الله المحرم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد فإن شهر الله المحرم من الأشهر الحرم التي جعلها الله تعالى
فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: )إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) متفق عليه. وهو من أعظم شهور السنة عظمه الله وشرفه من بين سائر الشهور وأضافه إلى نفسه تشريفا له وإشارة إلى أنه حرمه بنفسه وليس لأحد من الخلق تحليله. 

وقد كانت العرب تعظمه في الجاهلية وكان يسمى بشهر الله الأصم من شدة تحريمه. وقد رجح طائفة من العلماء أن محرم أفضل الأشهر الحرم. 

والصوم في شهر محرم من أفضل التطوع فقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل). 
وهذا محمول على التطوع المطلق أما التطوع المقيد كصيام ست من شوال وغيره فهذا أفضل من صوم محرم لأنه يلتحق بصوم رمضان فهو بمنزلة السنن الرواتب في الصلاة والسنة الراتبة مقدمة على النافلة المطلقة في باب العبادة. وكذلك صوم عرفة وغيره من السنن الرواتب أفضل من التطوع في محرم. 

فيستحب للمسلم أن يكثر من الصيام في شهر محرم فإن لم يقدر على ذلك صام ما تيسر له. وقد أخذ الجمهور بظاهر اللفظ فقالوا يستحب صيام الشهر كاملا والذي يظهر أنه لا يستحب ذلك والمراد في الحديث مشروعية الإكثار من صومه من غير إتمام للشهر. قالت عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان ) متفق عليه. ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم صام المحرم كاملا بل المحفوظ عنه صوم عاشوراء. و لأن قاعدة الشرع التيسير في باب النافلة ولذلك شرع أياما يسيرة ورتب عليها أجرا عظيما. ونهى أيضا عن صوم الدهر. ويسر في صوم التطوع فجعل أكمله صيام داود صوم يوم وترك يوم. وكل هذا تخفيفا على المكلف ودفعا للمشقة حتى لا تمل النفس وتكل. فالذي يظهر أن صوم الشهر تاما من خصائص الفرض شهر رمضان وأنه ليس من السنة إتمام صوم شهر إلا رمضان حتى لا يشبه النفل بالفرض. لكن لو صام إنسان الشهر كله جاز ذلك ولا كراهة فيه وإن كان عمله خلاف الأولى. 

ويتأكد صوم يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر محرم والسنة أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده. وقد ورد في صومه فضل عظيم ف عن أبي قَتادةَ رضي الله عنه قال: سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامِ يومِ عاشوراء فقال: (يكفِّرُ السَّنَةَ الماضِية) رواه مسلم.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

فضل صيام عاشوراء



فضل صيام عاشوراء

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ الحمدَ لله نحمَدُه، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له. وأشهد أنّ لا إله إلاّ اللهُ وحده لا شريك له. وأشهد أنّ محمداً عبده ورسولُه.
أما بعد :

حث النبي صلى الله عليه وسلم على صوم عاشوراء وهو العاشر من محرم لما فيه من الأجر العظيم والثواب الجزيل من الله جلَّ في علاه، فكتبنا هذه الورقة تذكيراً لإخواننا الكرام ليحرصوا على صومه.
* كان صومُ يوم عاشوراء من شهر الله المحرم واجبًا في الابتداء قبل أنْ يُفْرض رمضان، فلما فُرض رمضان، فمَنْ شاء صام عاشوراء ومَنْ شاء ترك، ثبت ذلك من حديث كلٍ مِن: عائشة، وابن عمر ، ومعاوية في الصحيحين، وابن مسعود ، وجابر بن سمرة عند مسلم، وقيس بن سعد بن عبادة، عند النسائي. 
ففي البخاري، ومسلم، وسنن أبي داود ، والنسائي، وابن ماجة من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه".
ورتب الشارع الحكيم على صوم عاشوراء بتكفير ذنوب سنة كاملة وهذا من فضل الله علينا.
فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ". صحيح مسلم رقم (1162).
وجاء عن عمر بن صهبان، عن زيد بن أسلم، عن عياض بن عبدالله، عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة خلفه، ومن صام عاشوراء غفر له سنة".صحيح الترغيب رقم (1013) و (1021).
ويستحب صوم التاسع مع العاشر لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع".رواه مسلم. قال شيخ الإسلام في المجموع: يعني مع العاشر ولأجل مخالفة اليهود.
وقال ابن قيم الجوزية في الزاد يوما قبله أو يوما بعده أي معه .
فالحرص الحرص على صوم عاشوراء، والله تعالى أسأل أن يتقبل منا صيامنا وأعمالنا، وأن يكفر عنا ذنوبنا، ويحسن ختامنا، وينور قبورنا إنه جواد كريم.
والحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

السبت، 10 أكتوبر 2015

كيف يستقبل المسلم عام جديد



إن ذهاب عام ومجيء آخر أمر يستدعي منا الوقوف مع أنفسنا وقفة جديّة للمحاسبة الصادقة؛ ذلك أنَّ مَنْ غفل عن نفسه؛
تَصَرَّمَتْ أوقاته، واشتدت عليه حسراته، وأيّ حسرة على العبد أعظم من أن يكون عُمُره عليه حجة، وتقوده أيامه إلى مزيد من الردى والشِّقْوَة؟! إنَّ الزمان وتقلباته أنصح المؤدِّبين، وإن الدهر بقوارعه أفصح المتكلمين، فانتبهوا بإيقاظه، واعتبروا بألفاظه، وقد ورد في الأثر: (أربعة من الشقاء: جمود العين، وقسوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا).

أخي الكريم، إنّ من نظر إلى الدنيا بعين البصيرة لا بعين البصر المبهرج؛ أَيْقَنَ أن نعيمها ابتلاء، وحياتها عناء، عيشها نَكَد، وصفوها كَدَر، جديدها يَبْلَى، ومُلْكُها يَفنى، ووُدُّها منقطع، وخيرها ينتزع، والمتعلقون بها على وجل؛ فالدنيا إما نعمة زائلة، أو بلية نازلة، أو منية قاضية، {يَا قَوْم إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39].

أخي الكريم، هل تذكرت الموت وسكراته، وشدة هوله وكرباته، وشدة نزاع الروح منك؟ فالموت -كما قيل- أشد من ضربٍ بالسيوف، ونشرٍ بالمناشير، وقرضٍ بالمقاريض، فتفكر -يا مغرور- في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه! ومن حاكم ما أعدله! فالموت لا يَخشى أحدًا، ولا يبقى على أحد، ولا تأخذه شفقة على أحد، فقف مع نفسك وقفة صادقة للمحاسبة، وقل لها:

يا نفس قد أزف الرحيـل *** وأظلك الخطب الجليـــل
فتأهبي يا نفس لا يلعـب *** بك الأمل الطـــــويل
فلتنـزلن بمنزلٍ ينســـى *** الخليل فيه الخليـــــل
وليركبن عليك فيه مــن *** الثرى ثقل ثقيــــــل
قرن الفناء بنا جميـــعًا *** فلا يبقى العزيز ولا الذليــل

أخي الكريم، هل تذكرت القبر وظلمته وضيقه ووحشته؟ هل تذكرت ذلك المكان الضيق الذي يضم بين جوانبه جثث الموتى من عظيم وحقير، وحكيم وسفيه، وصالح وطالح، وبر وفاجر، ورئيس ومرءوس؟ فالقبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.

أخي الحبيب، تخيل نفسك بعد ثلاثة أيام وأنت في قبرك، وقد جُردت من الثياب، وتوسدت التراب، وفارقت الأهل والأحباب، وتركت الأصحاب، ولم يكن معك جليس ولا أنيس إلا عملك الذي قدمته في الدنيا، فماذا تحب أن تقدم لنفسك وأنت في زمن الإمهال حتى تجده في انتظارك يوم انتقالك إلى قبرك؟ {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 30].

وصدق مَنْ قال:

والله لو عاش الفتى في عمره *** ألفًا من الأعوام مالك أمره
متمتعًا فيها بكل لذيــذة *** متلذذًا فيـها بسكنى قصره
لا يعتريه الهم طـول حياته *** كلا ولا ترد الهموم بصدره
ما كان ذلك كلــه في أن *** يفـي بأول ليـلة في قبره

نعم -أخي الكريم- هل تذكرت أول ليلة في القبر؟ حيث لا أنيس ولا جليس، ولا صديق ولا رفيق، ولا زوجة ولا أولاد، ولا أقارب ولا أحباب، {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 62].

فارقت موضع مرقدي *** يومًا ففارقني السكون
القبـر أول ليـلـة *** بالله قل لي ما يكـون؟

أخي المبارك، هل تذكرت النفخ في الصور، والبعث يوم النشور، وتطاير الصحف، والعرض على الجبار سبحانه وتعالى، والسؤال عن القليل والكثير، والصغير والكبير، والفتيل والقطمير، ونصب الموازين لمعرفة المقادير، ثم جواز الصراط، ثم انتظار النداء لفصل القضاء إما بالسعادة، وإما بالشقاوة؟! {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7]، {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 106- 108].

فيا أخي الكريم، من أي الفريقين تحب أن تكون؟ فجدير بمن الموت مصرعه، والتراب مضجعه، والقبر مقره، وبطن الأرض مستقره، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده أن لا يكون له فكر إلا في ذلك، ولا استعداد إلا له.

فيا أخي الحبيب، إن العمر قصير، والسفر طويل، والزاد قليل، والعقبة كئود، والعبد بين حالين: حال مضى لا يَدري ما الله صانع فيه، وحال آتٍ لا يدري ما الله قاضٍ فيه؟ فإن كان الأمر كذلك؛ فعلى صاحب البصر النافذ أن يَتَزَوَّدَ من نفسه لنفسه، ومن حياته لموته، ومن شبابه لهرمه، ومن صحته لمرضه، ومن فراغه لشغله، ومن غناه لفقره، ومن قوته لضعفه، فما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار، {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة: 6-11].

فمن أصلح ما بينه وبين ربه؛ كفاه الله ما بينه وما بين الناس، ومن صدق في سريرته؛ حسنت علانيته، ومن عمل لآخرته؛ كفاه الله أمر دنياه، فلا بد من وقفة جادّة للمحاسبة مع مطلع هذا العام الهجري الجديد، فالمحاسبة الصادقة هي ما أورثت عملا صادقا ينجيك من هول المطلع في ساحة العرض على أحكم الحاكمين.

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل". فكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك"[1].

فيا غافلاً عن مصيره! يا واقفًا مع تقصيره! سبقك أهل العزائم وأنت في بحر الغفلة عائم، فقفْ على باب التوبة وقوف نادم، ونَكِّسْ الرأس بذُلٍّ وقل: أنا ظالم، وناد في الأسحار، وقل: مذنب وراحم، وتشبه بالصالحين إن لم تكن منهم وزاحم، وابعث بريح الزفرات سحابًا ودمعًا ساجمًا، وقم في الدجى داعيًا، وقف على باب مولاك تائبًا، واستدرك من العمر ما بقي، ودعِ اللهو جانبًا، وطلِّق الدنيا والمعاصي والمنكرات إن كنت للآخرة طالبًا.

فيا أخي الحبيب، اخْلُ بنفسك وحاسبها حسابًا عسيرًا عن كل إساءة صدرت منك في هذا العام، واجتهد في التخلّص من تلك العيوب، واستبدلها بما يَزِينُك من كل جميل وحسن، وافتح صفحة جديدة مع الله؛ عسى الله أن يتحمل عنك التبعات.

كتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى بعض عمَّاله يقول له: "حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة؛ فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة، عاد أمره إلى الرضاء والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه، عاد أمره إلى الندامة والخسارة".

وقال الحسن البصريّ -رحمه الله تعالى-: "لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه، ماذا أردتِ أن تعملي؟ ماذا أردتِ أن تأكلي؟ وماذا أردت أن تشربي؟ والفاجر يمضي قدمًا لا يحاسب نفسه".

وقال ميمون بن مهران -رحمه الله تعالى-: "لا يكون العبد تقيًّا حتى يكون لنفسه أشدَّ محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوَّان إن لم تحاسبه؛ ذهب بمالك".

وقال مالك بن دينار -رحمه الله تعالى-: "رحم الله عبدًا قال لنفسه: ألستِ صاحبة كذا؟ ألستِ صاحبة كذا؟ ثم ذمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله  فكان لها قائدًا".

ومحاسبة النفس تنقسم إلى قسمين: قسم قبل العمل، وقسم بعده.

أما الأول؛ فهو أن يقف العبد عند أول همه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له أيمضي أم يترك، قال الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: "رحم الله عبدًا وقف عند همه، فإن كان لله؛ مضى، وإن كان لغيره؛ توقف".

أما القسم الثاني -وهو محاسبة النفس بعد العمل-؛ فهو ثلاثة أنواع:

أحدها: محاسبة النفس على طاعة قصرت فيها في حق الله تعالى، فلم تؤدِّها على الوجه المطلوب، وحق الله في الطاعة ستة أمور وهي:

1- الإخلاص.

2- متابعة النبي صلى الله عليه وسلم.

3- النصيحة لله.

4- شهود مشهد الإحسان في هذه الطاعة.

5- شهود منّة الله عليك في توفيقك لهذه الطاعة.

6- شهود تقصيرك فيها.

فيحاسب العبد نفسه: هل وفَّى هذه المقامات كلَّها في كل طاعة يقوم بها أم لا؟

الثاني: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيرًا من فعله.

الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح، أو معتاد لِمَ يفعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة فيكون ذلك رابحًا، أو أراد به الدنيا وعاجلها فيخسر ذلك الربح، ويفوته الظفر به؟!

وتكون محاسبة النفس على هذا النحو الذي ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:

أولاً: البدء بالفرائض، فإذا رأى فيها نقصًا؛ تداركه.

ثانيًا: ثم المناهي، فإذا عرف أنه ارتكب منها شيئًا؛ تداركه بالتوبة والاستغفار، والحسنات الماحية.

ثالثًا: محاسبة النفس على الغفلة، ويتدارك ذلك بالذكر والإقبال على الله Y.

رابعًا: محاسبة النفس على حركات الجوارح؛ من كلام اللسان، ومشي الرجلين، وبطش اليدين، ونظر العينين، وسماع الأذنين، وغيرها، ماذا أردت بهذا؟ ولمن فعلت؟ وعلى أي وجه فعلته؟

أخي الكريم، إن محاسبة النفس أمر عسير، لكنه يسير لمن يسَّره الله لذلك، وهناك أمور تُعين العبد على محاسبة النفس، ومن أبرزها وأهمها:

- استشعار رقابة الله على العبد واطلاعه على خطاياه، فإذا علم العبد ذلك؛ استيقظ من غفلته وقام من رُقاده، وقويت إرادته على محاسبة نفسه ومجاهدتها.

- معرفة العبد أنه كلما اجتهد في محاسبة نفسه اليوم؛ استراح من ذلك غدًا، وكلما أهملها اليوم؛ اشتد عليه الحساب غدًا.

- بذكر الحساب الأكبر والسؤال بين يدي الجبار جل جلاله يوم القيامة، فإذا علم العبد أنه مسئول بين يدي الله فيجب أن يُعِدَّ لكل سؤال جوابًا، ومن هنا كان العبد أشدَّ محاسبةً لنفسه.

- معرفة العبد ربح محاسبة النفس ومراقبتها، وهي سكنى الفردوس الأعلى، والنظر إلى وجه الرب سبحانه، ومجاورة الأنبياء، والصالحين وأهل الفضل، وأن عدم المحاسبة تُفْقِدُه هذا كلَّه، وتفوته عليه وليس بعد ذلك خسارة.

- النظر فيما يئول إليه من ترك محاسبة النفس ومراقبتها من الهلاك والدمار، ودخول النار، والحجاب عن رؤية الرب سبحانه، ومجاورة أهل الكفر والضلال والخبث عياذًا بالله.

- صحبة الأخيار الذين يحاسبون أنفسهم ويُطلعونه على عيوب نفسه، وترك صحبة من عداهم.

- النظر في سيرة المصطفى  وصحابته y ومعرفة أخبار وسير أهل المحاسبة والمراقبة في سلفنا الصالح.

- زيارة القبور والتّأمّل في أحوال الموتى الذين لا يَستطيعون محاسبة أنفسهم أو تدارك ما فاتهم.

- حضور مجالس العلم والوعظ والتذكير؛ فإنها تدعو إلى محاسبة النفس.

- قيام الليل، وقراءة القرآن بتدبر وخشوع، وحضور القلب، والتقرب إلى الله تعالى بأنواع الطاعات.

- البعد عن أماكن اللهو والغفلة والمجون والعربدة؛ فإنها تُنسي الإنسان محاسبة نفسه.

- ذكر الله تعالى ودعاؤه بأن يجعلك من أهل المحاسبة والمراقبة.

- سوء الظن بالنفس؛ فإن من حَسَّنَ ظنه بنفسه؛ نسي محاسبتها، أو غفل عن ذلك، وربما إذا رأى العبد بسبب حسن ظنه بنفسه أن عيوبه ومساوئه كمالاً، وهذا أدعى لعدم المحاسبة.

أخي في الله، إن من التزم بما سبق؛ فإنه -وبفضل الله- لا يعدم بأن يجني ثمار تلك المحاسبة سواء في الدنيا أو في الآخرة، وفوائد محاسبة النفس كثيرة جدًّا؛ منها على سبيل المثال لا الحصر:

- الاطلاع على عيوب النفس وآفاتها، ومن لم يطلع على عيوب نفسه؛ لم يُمْكِنْه إزالتها.

- التوبة والندم وتدارك ما فات في زمن الإمكان.

- معرفة حق الله تعالى؛ فإن أصل محاسبة النفس هو محاسبتها على تفريطها في حق الله تعالى.

- انكسار العبد وذِلَّته بين يدي ربه تبارك وتعالى.

- معرفة كرم الله تعالى وعفوه ورحمته بعباده في أنه لم يُعَجِّلْ عقوبتهم مع ما هم عليه من المعاصي والمخالفات.

- مقْت النفس والإزراء عليها، والتخلص من العجب والرياء والسمعة.

- الاجتهاد في الطاعة وترك العصيان لتسهل عليه المحاسبة فيما بعد.

- ردّ الحقوق إلى أهلها وسلّ السخائم، وحسْن الخلق، وهذه من أعظم محاسبة النفس.

أخي الكريم، فحق على الحازم العاقل المؤمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطراتها وخطواتها، فكل نَفَسٍ من أنفاس العُمُر جوهرة نفيسة يمكن أن يُشترى بها كنزٌ من الكنوز، لا يتناهى نعيمه أبد الآباد، وإضاعة هذه الأنفاس أو شراء صاحبها ما يَجلب هلاكه خسرانٌ عظيم لا يسمح بمثله إلا جاهل، بل هو من أجهل الناس وأحمقهم، وأقلهم عقلاً وفهمًا، وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 30].

وبهذه الرّوح الإيمانيّة والنفس اليَقِظَة نستقبل عامنا الهجريّ الجديد، وكلنا عزْم على استدراك ما فات، والعمل على إرضاء الله -جل وعلا- في جميع أحوالنا، هذا والله أعلم.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الخميس، 8 أكتوبر 2015

التقوى وفضل الصوم في محرم



التقوى وفضل الصوم في محرم

الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فلا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبدالله ورسوله ومصطفاه، أفضل نبي وأكمل مرسل بعثه الله، فلا نبي بعده، ولا يقبل من أحد غير دينه وهداه صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.


أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى بطاعته واجتناب معصيته، والشكر لنعمته، والإكثار من دعائه، وذكره، والتوبة إليه من التقصير في حقه فإن التقوى خير ما به تزودتم، وخير ما لبستم، وخير ما سعدتم به في الدنيا، وأفلحتم به في الأخرى، واتقيتم به الشر والشقوة في العاجلة والآجلة، قال تعالى ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282] وقال سبحانه ﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29] وقال سبحانه ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرً ﴾ [الطلاق: 2، 3] وقال جل ذكره ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5] وقال عز من قائل ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].

عباد الله:
إن التقوى خير وسيلة للنصر على الأعداء، ومجلبة للبركات من الأرض والسماء، ووقاية للمتقي من النار، وتورثه جنات تجري تحتها الأنهار، فاتقوا الله ما استطعتم حق تقاته تتقوا الشقوة والعذاب وتفوزوا بمغفرته ومرضاته، وعد الله لا يخلف الميعاد ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أيها المسلمون:
لقد كان من منهاج نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم - وقد كان أعرفكم بالله تعالى وأخشاكم له واتقاكم له - أن يزين عمله يوم عرضه على الله تعالى - بالصوم، فكان صلى الله عليه وسلم يصوم يومي الاثنين والخميس ويقول: «إنهما يومان تعرض فيها أعمال العباد على الله عز وجل، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم»، وقال صلى الله عليه وسلم «تعرض أعمال العباد على الله يوم الخميس ليلة الجمعة فيغفر لكل مسلم ومسلمة لا يشركان بالله شيئاً إلا اثنين بينهما شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا» فزينوا أعمالكم لعرضها على الله تعالى بالصوم وفق السنة وترك الشحناء والغل واسعوا في الإصلاح والتصالح تنالوا المغفرة والرضى من رب الأرض والسماء.
معشر المسلمين:
وإذا كان الصوم مما يزين به العمل الصالح، وترك الغل والتشاحن من أسباب المغفرة وجليل العمل الصالح، فكيف إذا كان ذلك في شهر الله المحرم الذي الصوم فيه أفضل - وفي رواية أحب الصيام - بعد رمضان شهر الله المحرم وقال الله تعالى فيه – وفي بقية الأشهر الحرم - ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36] فاتقوا الله في شهركم وأحسنوا فيه صومكم وتسامحوا وتصالحوا وأصلحوا فيه ذات بينكم تفوزوا بالمعية، والقبول وكريم المثوبة، وعظيم الرضوان من ربكم. الغفور ذي الرحمة.

أيها المؤمنون:
ثواب الصيام عظيم لأنه عمل اختصه الله تعالى لنفسه فجعل ثوابه عليه لحبه له كما في الحديث القدسي الصحيح عن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي» فإذا كان شأن الصوم عند الله تعالى وثوابه على الله الغني الكريم وإذا كان ثواب الأعمال الصالحة سواء الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فإن ثواب الصوم لا يحد بحد بل على معيار قوله تعالى ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10] فكيف إذا وقع في أفضل زمان بعد رمضان مع الإخلاص والإحسان ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 112] فاستقيموا لله تعالى على الإسلام وعظموا الشهر الحرام وأحسنوا صيام ما تيسر لكم من الأيام غير أنكم لا تصوموه كله، ولا تصوموا أكثره فإن نبيكم صلى الله عليه وسلم ما صام قط شهراً كاملاً إلا رمضان، وكان أكثر ما يصوم من شعبان.

أمة الإسلام:
إذا صمتم ثلاثة أيام من الشهر فذلك يعدل صوم الشهر لأن الحسنة بعشر أمثالها. فثلاثة أيام بثلاثين يوما. وقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يصوم العاشر من محرم «عاشوراء» ويخبر أن صومه يكفر السنة الماضية، وقال صلى الله عليه وسلم «لأن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع «يعني مع العاشر» وقال صلى الله عليه وسلم» «صوموا يوم قبله أو يوم بعده خالفوا اليهود» وفي رواية ضعيفة «صوموا يوما قبله ويوما بعده» وهذا يا عباد الله أكمل شيء في صيام عاشوراء «عند أهل العلم» أن يصام معه يوما قبله ويوما بعده فكيف إذا انضم إلى ذلك صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع وثلاثة الأيام البيض من الشهر اجتمع للمسلم صيام نصف الشهر فاتقوا الله عباد الله ولا تفرطوا في سننٍ يسيرة أجورها كبيرة وفضائلها شهيرة ألا وإن الصوم في الشتاء هو الغنيمة الباردة فاللهم لك الحمد على يسر العمل وعظم الفائدة ألا فاتقوا الله عباد الله واستبقوا الخيرات واستكثروا من الحسنات وتوبوا إلى ربكم من السيئات تذهبوا بالأجور والدرجات العلى والنعيم المقيم فضلاً من ربكم ذلكم هو الفضل العظيم



Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More